المسألة الأولى معنى الآية أنك يا إلهنا أكثرت عليهم وعلى آبائهم من النعم وهي توجب الشكر والإيمان لا الإعراض والكفران والمقصود من ذلك بيان أنهم ضلوا من عند أنفسهم لا بإضلالنا فإنه لولا عنادهم الظاهر وإلا فمع ظهور هذه الحجة لا يمكن الإعراض عن طاعة الله تعالى وقال آخرون إن هذا الكلام كالرمز فيما صرح به موسى عليه السلام في قوله إِنْ هِى َ إِلاَّ فِتْنَتُكَ ( الأعراف ١٥٥ ) وذلك لأن المجيب قال إلهي أنت الذي أعطيته جميع مطالبه من الدنيا حتى صار كالغريق في بحر الشهوات واستغراقه فيها صار صاداً له عن التوجه إلى طاعتك والاشتغال بخدمتك فإن هي إلا فتنتك
المسألة الثانية الذكر ذكر الله والإيمان به ( و ) القرآن والشرائع أو ما فيه حسن ذكرهم في الدنيا والآخرة
المسألة الثالثة قال أبو عبيدة يقال رجل بور ورجلان بور ورجال بور وكذلك الأنثى ومعناه هالك وقد يقال رجل بائر وقوم بور وهو مثل هائر وهور والبوار الهلاك وقد احتج أصحابنا بهذه الآية في مسألة القضاء والقدر ولا شك أن المراد منه وكانوا من الذين حكم عليهم في الآخرة بالعذاب والهلاك فالذي حكم الله عليه بعذاب الآخرة وعلم ذلك وأثبته في اللوح المحفوظ وأطلع الملائكة عليه لو صار مؤمناً لصار الخبر الصدق كذباً ولصار العلم جهلاً ولصارت الكتابة المثبتة في اللوح المحفوظ باطلة ولصار اعتقاد الملائكة جهلاً وكل ذلك محال ومستلزم المحال محال فصدور الإيمان منه محال فدل على أن السعيد لا يمكنه أن ينقلب شقياً والشقي لا يمكنه أن ينقلب سعيداً ومن وجه آخر هو أنهم ذكروا أن الله تعالى آتاهم أسباب الضلال وهو إعطاء المرادات في الدنيا واستغراق النفس فيها ودلت الآية على أن ذلك السبب بلغ مبلغاً يوجب البوار فإن ذكر البوار عقيب ذلك السبب يدل على أن البوار إنما حصل لأجل ذلك السبب فرجع حاصل الكلام إلى أنه تعالى فعل بالكافر ما صار معه بحيث لا يمكنه ترك الكفر وحينئذ ظهر أن السعيد لا ينقلب شقياً وأن الشقي لا ينقلب سعيداً
أما قوله تعالى فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فاعلم أنه قرىء يَقُولُونَ بالياء والتاء فمعنى من قرأ بالتاء فقد كذبوكم بقولكم إنهم آلهة أي كذبوكم في قولكم إنهم آلهة ومن قرأ بالياء المنقوطة من تحت فالمعنى أنهم كذبوكم ( بقولكم ) سُبْحَانَكَ ومثاله قولك كتبت بالقلم
أما قوله فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً فاعلم أنه قرىء يَسْتَطِيعُونَ بالياء والتاء أيضاً يعني فما تستطيعون أنتم يا أيها الكفار صرف العذاب عنكم وقيل الصرف التوبة وقيل الحيلة من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال أو فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب ( و ) أن يحتالوا لكم
أما قوله تعالى وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً ففيه مسألتان
المسألة الأولى قرىء يذقه بالياء وفيه ضمير الله تعالى أو ضمير ( الظلم )
المسألة الثانية أن المعتزلة تمسكوا بهذه الآية في القطع بوعيد أهل الكبائر فقالوا ثبت أن ( من ) للعموم في معرض الشرط وثبت أن الكافر ظالم لقوله بِاللَّهِ إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( لقمان ١٣ ) والفاسق ظالم لقوله وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( الحجرات ١١ ) فثبت بهذه الآية أن الفاسق لا يعفى عنه بل يعذب لا محالة