فإذا رأى الكفار ذلك قالوا لهم بشرونا فيقولون حجراً محجوراً القول الثالث وهو قول القفال والواحدي وروي عن الحسن أن الكفار يوم القيامة إذا شاهدوا ما يخافونه فيتعوذون منه ويقولون حجراً محجوراً فتقول الملائكة لا يعاذ من شر هذا اليوم
أما قوله تعالى وَقَدِمْنَا فقد استدلت المجسمة بقوله وَقَدِمْنَا لأن القدوم لا يصح إلا على الأجسام وجوابه أنه لما قامت الدلالة على امتناع القدوم عليه لأن القدوم حركة والموصوف بالحركة محدث ولذلك استدل الخليل عليها السلام بأفول الكواكب على حدوثها وثبت أن الله عز وجل لا يجوز أن يكون محدثاً فوجب تأويل لفظ القدوم وهو من وجوه أحدها وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ أي وقصدنا إلى أعمالهم فإن القادم إلى الشيء قاصد له فالقصد هو المؤثر في المقدوم إليه وأطلق المسبب على السبب مجازاً وثانيها المراد قدوم الملائكة إلى موضع الحساب في الآخرة ولما كانوا بأمره يقدمون جاز أن يقول وَقَدِمْنَا على سبيل التوسع ونظيره قوله فَلَمَّا ءاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ ( الزخرف ٥٥ ) وثالثها إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَة ً أَفْسَدُوهَا ( النمل ٣٤ ) فلما أباد الله أعمالهم وأفسدها بالكلية صارت شبيهة بالمواضع التي يقدمها الملك فلا جرم قال وَقَدِمْنَا
أما قوله إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ يعني الأعمال التي اعتقدوها براً وظنوا أنها تقربهم إلى الله تعالى والمعنى إلى ما عملوا من أي عمل كان
أما قوله فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً فالمراد أبطلناه وجعلناه بحيث لا يمكن الانتفاع به كالهباء المنثور الذي لا يمكن القبض عليه ونظيره قوله تعالى كَسَرَابٍ بِقِيعَة ٍ ( النور ٣٩ ) كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ ( إبراهيم ١٨ ) كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ ( الفيل ٥ ) قال أبو عبيدة والزجاج الهباء مثل الغبار يدخل من الكوة مع ضوء الشمس وقال مقاتل إنه الغبار الذي يستطير من حوافر الدواب
أما قوله أَصْحَابُ الْجَنَّة ِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً فاعلم أنه سبحانه لما بين حال الكفار في الخسار الكلي والخيبة التامة شرح وصف أهل الجنة تنبيهاً على أن الحظ كل الحظ في طاعة الله تعالى وههنا سؤالات
الأول كيف يكون أصحاب الجنة خيراً مستقراً من أهل النار ولا خير في النار ولا يقال في العسل هو أحل من الخل والجواب من وجوه الأول ما تقدم في قوله أَذالِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّة ُ الْخُلْدِ ( الفرقان ١٥ ) والثاني يجوز أن يريد أنهم في غاية الخير لأن مستقر خير من النار كقول الشاعر ف إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتاً دعائمه أعز وأطول
الثالث التفاضل الذي ذكر بين المنزلتين إنما يرجع إلى الموضع والموضع من حيث إنه موضع لا شر فيه الرابع هذا التفاضل واقع على هذا التقدير أي لو كان لهم مستقر فيه خير لكان مستقر أهل الجنة خيراً منه
السؤال الثاني الآية دلت على أن مستقرهم غير مقيلهم فكيف ذلك والجواب من وجوه الأول أن المستقر مكان الاستقرار والمقيل زمان القيلولة فهذا إشارة إلى أنهم من المكان في أحسن مكان ومن


الصفحة التالية
Icon