المذهب لأنه لم يسلبه إطلاق اسم الماء وأما إن كان التغير كثيراً فإن استحدث اسماً جديداً كالمرقة لم يجز الوضوء به بالاتفاق وإن لم يستحدث اسماً جديدا فعند الشافعي لا يجوز الوضوء به وعند أبي حنيفة يجوز
حجة الشافعي من وجوه أحدها أنه عليه السلام توضأ ثم قال ( هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ) فذلك الوضوء إن كان واقعاً بالماء المتغير وجب أن لا يجوز إلا به وبالاتفاق ليس الأمر كذلك فثبت أنه كان بماء غير متغير وهو المطلوب وثانيها أنه إذا اختلط ماء الورد بالماء ثم توضأ الإنسان به فيحتمل أن بعض الأعضاء قد انغسل بماء الورد دون الماء وإذا كان كذلك فقد وقع الشك في حصول الوضوء وكان تيقن الحدث قائماً والشك لا يعارض اليقين فوجب أن يبقى على الحدث بخلاف ما إذا كان قليلاً لا يظهر أثره فإنه صار كالمعدوم أما إذا ظهر أثره علمنا أنه باق فيتوجه ما ذكرناه وثالثها أن الوضوء تعبد لا يعقل معناه فإنه لو توضأ بماء الورد لا يصح وضوؤه ولو توضأ بالماء الكدر المتعفن صح وضوؤه وما لا يعقل معناه وجب الاقتصار فيه على مورد النص وترك القياس
حجة أبي حنيفة وجوه أحدها قوله تعالى وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُوراً دلت الآية على كون الماء مطهراً والأصل في الثابت بقاؤه فوجب بقاء هذه الصفة بعد التغير بالمخالطة وثانيها قوله تعالى فاغْسِلُواْ ( المائدة ٦ ) أمر بمطلق الغسل وقد أتى به فوجب أن يخرج عن العهدة وقد بينا تقرير هذا الوجه فيما تقدم وثالثها قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ ( النساء ٤٣ ) علق جواز التيمم بعدم وجدان الماء وواجد هذا الماء المتغير واجد للماء لأن الماء المتغير ماء مع صفة التغير والموصوف موجود حال وجود الصفة فوجب أن لا يجوز له التيمم ورابعها قوله عليه السلام في البحر ( هو الطهور ماؤه ) ظاهره يقتضي جواز الطهارة به وإن خالطه غيره لأن النبي ( ﷺ ) أطلق ذلك وخامسها أنه عليه السلام أباح الوضوء بسؤر الهرة وسؤر الحائض وإن خالطه شيء من لعابهما وسادسها لا خلاف في الوضوء بماء المدر والسيول مع تغير لونه بمخالطة الطين وما يكون في الصحارى من الحشيش والنبات ومن أجل مخالطة ذلك له يرى تارة متغيراً إلى السواد وأخرى إلى الحمرة والصفرة فصار ذلك أصلاً في جميع ما خالط الماء إذا لم يغلب عليه فيسلبه اسم الماء القسم الثاني إذا كان المخالط للماء شيئاً نجساً فمن الناس من زعم أن الماء لا ينجس ما لم يتغير بالنجاسة سواء كان قليلاً أو كثيراً وهو قول الحسن البصري والنخعي ومالك وداود وإليه مال الشيخ الغزالي في كتاب ( الإحياء ) وقال أبو بكر الرازي مذهب أصحابنا أن كل ما تيقنا فيه جزأ من النجاسة أو غلب على الظن ذلك لم يجز استعماله ولا يختلف على هذا الحد ماء البحر وماء البئر والغدير والراكد والجاري لأن ماء البحر لو وقعت فيه نجاسة لم يجز استعمال الماء الذي فيه النجاسة وكذلك الماء الجاري وأما اعتبار أصحابنا للغدير الذي إذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك الطرف الآخر فإنما هو كلام في جهة تغليب الظن في بلوغ النجاسة الواقعة في أحد طرفيه إلى الطرف الآخر وليس هو كلامنا في أن بعض المياه الذي فيه النجاسة قد يجوز استعمالها وبعضها لا يجوز استعماله هذا كله كلام أبي بكر وأقول من الناس من فرق بين القليل والكثير فعن عبدالله بن عمر ( إذا كان الماء أربعين قلة لم ينجسه شيء ) وعن ابن عباس رضي الله عنهما ( الحوض لا يغتسل فيه جنب إلا أن يكون فيه أربعون غرباً ) وهو قول محمد بن كعب القرظي وقال


الصفحة التالية
Icon