وثانيهما أنها ساءت مستقراً ومقاماً فما الفرق بين الوجهين وأيضاً فما الفرق بين المستقر والمقام قلنا المتكلمون ذكروا أن عقاب الكافر يجب أن يكون مضرة خالصة عن شوائب النفع دائمة فقوله إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إشارة إلى كونه مضرة خالصة عن شوائب النفع وقوله إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً إشارة إلى كونها دائمة ولا شك في المغايرة أما الفرق بين المستقر والمقام فيحتمل أن يكون المستقر للعصاة من أهل الإيمان فإنهم يستقرون في النار ولا يقيمون فيها وأم الإقامة فللكفار واعلم أن قوله إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً يمكن أن يكون من كلام الله تعالى ويمكن أن يكون حكاية لقولهم
الصفة الخامسة قوله وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً قرىء يَقْتُرُواْ بكسر التاء وضمها ويقتروا بضم الياء وتخفيف القاف وكسر التاء وأيضاً بضم الباء وفتح القاف وكسر التاء وتشديدها وكلها لغات والقتر والإقتار والتقتير التضييق الذي هو نقيض الإسراف والإسراف مجاوزة الحد في النفقة وذكر المفسرون في الإسراف والتقتير وجوهاً أحدها وهو الأقوى أنه تعالى وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير وبمثله أمر رسوله ( ﷺ ) بقوله وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَة ً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ( الإسراء ٢٩ ) وعن وهيب بن الورد قال لعالم ما البناء الذي لا سرف فيه قال ما سترك عن الشمس وأكنك من المطر فقال له فما الطعام الذي لا سرف فيه قال ما سد الجوعة فقال له في اللباس قال ما ستر عورتك ووقاك من البرد وروي أن رجلاً صنع طعاماً في إملاك فأرسل إلى الرسول عليه السلام فقال ( حق فأجيبوا ) ثم صنع الثانية فأرسل إليه فقال ( حق فمن شاء فليجب وإلا فليقعد ) ثم صنع الثالثة فأرسل إليه فقال ( رياء ولا خير فيه ) وثانيها وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك أن الإسراف الإنفاق في معصية الله تعالى والإقتار منع حق الله تعالى قال مجاهد لو أنفق رجل مثل أبي قبيس ذهباً في طاعة الله تعالى لم يكن سرفاً ولو أنفق صاعاً في معصية الله تعالى كان سرفاً وقال الحسن لم ينفقوا في معاصي الله ولم يمسكوا عما ينبغي وذلك قد يكون في الإمساك عن حق الله وهو أقبح التقتير وقد يكون عما لا يجب ولكن يكون مندوباً مثل الرجل الغني الكثير المال إذا منع الفقراء من أقاربه وثالثها المراد بالسرف مجاوزة الحد في التنعم والتوسع في الدنيا وإن كان من حلال فإن ذلك مكروه لأنه يؤدي إلى الخيلاء والإقتار هو التضييق فالأكل فوق الشبع بحيث يمنع النفس عن العبادة سرف وإن أكل بقدر الحاجة فذاك إقتار وهذه الصفة صفة أصحاب محمد ( ﷺ ) كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوباً للجمال والزينة ولكن كانوا يأكلون ما يسد جوعهم ويعينهم على عبادة ربهم ويلبسون ما يستر عوراتهم ويصونهم من الحر والبرد وههنا مسألتان
المسألة الأولى القوام قال ثعلب القوام بالفتح العدل والاستقامة وبالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر قال صاحب ( الكشاف ) القوام العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما ونظير القوام من الاستقامة السواء من الاستواء وقرىء قَوَاماً بالكسر وهو ما يقام به الشيء يقال أنت قوامنا يعني ما يقام به الحاجة لا يفضل عنه ولا ينقص
المسألة الثانية المنصوبان أعني بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً جائز أن يكونا خبرين معاً وأن يجعل بين ذلك لغواً وقواماً مستقراً وأن يكون الظرف خبراً وقواماً حالاً مؤكدة قال الفراء وإن شئت جعلت بَيْنَ ذالِكَ اسم


الصفحة التالية
Icon