دليل ثم بين أن ذلك بإرادة الله بقوله فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ أي هؤلاء أضلهم الله فلا هادي لهم فينبغي أن لا يحزنك قولهم وههنا لطيفة وهي أن قوله فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ مقو لما تقدم وذلك لأنه لما قال لأن الله لا شريك له بوجه ما ثم قال تعالى بل المشركون يشركون من غير علم يقال فيه أنت أثبت لهم تصرفاً على خلاف رضاه والسيد العزيز هو الذي لا يقدر عبده على تصرف يخالف رضاه فقال إن ذلك ليس باستقلاله بل بإرادة الله وما لهم من ناصرين لما تركوا الله تركهم الله ومن أخذوه لا يغني عنهم شيئاً فلا ناصر لهم
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَة َ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
ثم قال تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَة َ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أي إذا تبين الأمر وظهرت الوحدانية ولم يهتد المشرك فلا تلتفت أنت إليهم وأقم وجهك للدين وقوله فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ أي أقبل بكلك على الدين عبر عن الذات بالوجه كما قال تعالى كُلُّ شَى ْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ( القصص ٨٨ ) أي ذاته بصفاته وقوله حَنِيفاً أي مائلاً عن كل ما عداه أي أقبل على الدين ومل عن كل شيء أي لا يكون في قلبك شيء آخر فتعود إليه وهذا قريب من معنى قوله وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( الروم ٣١ ) ثم قال الله تعالى عَبْدُ اللَّهِ أي الزم فطرة الله وهي التوحيد فإن الله فطر الناس عليه حيث أخذهم من ظهر آدم وسألهم أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ ( الأعراف ١٧٢ ) فقالوا بلى وقوله تعالى لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ فيه وجوه قال بعض المفسرين هذه تسلية للنبي ( ﷺ ) عن الحزن حيث لم يؤمن قومه فقال هم خلقوا للشقاوة ومن كتب شقياً لا يسعد وقيل لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أي الوحدانية مترسخة فيهم لا تغير لها حتى إن سألتهم من خلق السموات والأرض يقولون الله لكن الإيمان الفطري غير كاف ويحتمل أن يقال خلق الله الخلق لعبادته وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله أي ليس كونهم عبيداً مثل كون المملوك عبداً لإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية وهذا لبيان فساد قول من يقول العبادة لتحصيل الكمال والعبد يكمل بالعبادة فلا يبقى عليه تكليف وقول المشركين إن الناقص لا يصلح لعبادة الله وإنما الإنسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله وقول النصارى إن عيسى كان يحل الله فيه وصار إلهاً فقال لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ بل كلهم عبيد لا خروج لهم عن ذلك
ثم قال تعالى ذالِكَ الدّينُ الْقَيّمُ الذي لا عوج فيه وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ أن ذلك هو الدين المستقيم
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلواة َ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
لما قال حنيفاً أي مائلاً عن غيره قال مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ أي مقبلين عليه والخطاب في قوله فَأَقِمْ وَجْهَكَ مع النبي والمراد جميع المؤمنين وقوله وَاتَّقُوهُ يعني إذا أقبلتم عليه وتركتم الدنيا فلا تأمنوا


الصفحة التالية
Icon