كانت أفعالهم كأفعالهم فقال قُلْ سِيرُواْ فِى الاْرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة ُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ أي قوم نوح وعاد وثمود وهذا ترتيب في غاية الحسن وذلك لأنه في وقت الامتنان والإحسان قال اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ( مريم ٤٠ ) أي آتاكم الوجود ثم البقاء ووقت الخذلان بالطغيان قال ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ ( الروم ٤١ ) أي قلل رزقكم ثم قال تعالى سِيرُواْ فِى الاْرْضِ أي هو أعدمكم كم أعدم من قبلكم فكأنه قال أعطاكم الوجود والبقاء ويسلب منكم الوجود والبقاء وأما سلب البقاء فبإظهار الفساد وأما سلب الوجود فبالإهلاك وعند الإعطاء قدم الوجود على البقاء لأن الوجود أولاً ثم البقاء وعند السلب قدم البقاء وهو الاستمرار ثم الوجود
وقوله كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ يحتمل وجوهاً ثلاثة أحدها أن الهلاك في الأكثر كان بسبب الشرك الظاهر وإن كان بغيره أيضاً كالإهلاك بالفسق والمخالفة كما كان على أصحاب السبت الثاني أن كل كافر أهلك لم يكن مشركاً بل منهم من كان معطلاً نافياً لكنهم قليلون وأكثر الكفار مشركون الثالث أن العذاب العاجل لم يختص بالمشركين حين أتى كما قال تعالى وَاتَّقُواْ فِتْنَة ً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّة ً ( الأنفال ٢٥ ) بل كان على الصغار والمجانين ولكن أكثرهم كانوا مشركين
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ الْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِى َ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلاًّنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ
لما نهى الكافر عما هو عليه أمر المؤمن بما هو عليه وخاطب النبي عليه السلام ليعلم المؤمن فضيلة ما هو مكلف به فإنه أمر به أشرف الأنبياء وللمؤمنين في التكليف مقام الأنبياء كما قال عليه الصلاة والسلام ( إن الله أمر عباده المؤمنين بما أمر به عباده المرسلين ) وقد ذكرنا معناه وقوله مِن قَبْلِ أَن يَأْتِى َ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يحتمل وجهين الأول أن يكون قوله مِنَ اللَّهِ متعلقاً بقوله يَأْتِى َ والثاني أن يكون المراد لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ أي الله لا يرد وغيره عاجز عن رده فلا بد من وقوعه يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ أي تفرقون ثم أشار إلى التفرق بقوله مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلاِنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ وفي الآية مسائل
المسألة الأولى قال مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً ولم يقل ومن آمن وذلك لأن العمل الصالح به يكمل الإيمان فذكره تحريضاً للمكلف عليه وأما الكفر إذا جاء فلا زنة للعمل معه ووجه آخر وهو أن الكفر قسمان أحدهما فعل وهو الاشراك والقول به والثاني ترك وهو عدم النظر والإيمان فالعاقل البالغ إذا كان في مدينة الرسول ولم يأت بالإيمان فهو كافر سواء قال بالشرك أو لم يقل لكن الإيمان لا بد معه من العمل الصالح فإن الاعتقاد الحق عمل القلب وقول لا إله إلا الله عمل اللسان وشيء منه لا بد منه
المسألة الثانية قال فَعَلَيْهِ فوحد الكناية وقال فَلاِنفُسِهِمْ جمعها إشارة إلى أن الرحمة أعم من


الصفحة التالية
Icon