ثم قال تعالى وَأَلْقَى فِى الاْرْضِ رَوَاسِى َ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّة ٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن
أي جبالاً راسية ثابتة أَن تَمِيدَ أي كراهية أن تميد وقيل المعنى أن لا تميد واعلم أن الأرض ثباتها بسبب ثقلها وإلا كانت تزول عن موضعها بسبب المياه والرياح ولو خلقها مثل الرمل لما كانت تثبت للزراعة كما نرى الأراضي الرملة ينتقل الرمل الذي فيها من موضع إلى موضع ثم قال تعالى وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّة ٍ أي سكون الأرض فيه مصلحة حركة الدواب مأسكنا الأرض وحركنا الدواب ولو كانت الأرض متزلزلة وبعض الأراضي يناسب بعض الحيوانات لكانت الدابة التي لا تعيش في موضع تقع في ذلك الموضع فيكون فيه هلاك الدواب أما إذا كانت الأرض ساكنة والحيوانات متحركة تتحرك في المواضع التي تناسبها وترعى فيها وتعيش فيها ثم قال تعالى وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء هذه نعمة أخرى أنعمها الله على عباده وتمامها بسكون الأرض لأن البذر إذا لم يثبت إلى أن ينبت لم يكن يحصل الزرع ولو كانت أجزاء الأرض متحركة كالرمل لما حصل الثبات ولما كمل النبات والعدول من المغايبة إلى النفس فيه فصاحة وحكمة أما الفصاحة فمذكورة في باب الالتفات من أن السامع إذا سمع كلاماً طويلاً من نمط واحد ثم ورد عليه نمط آخر يستطيبه ألا ترى أنك إذا قلت قال زيد كذا وكذا وقال خالد كذا وكذا وقال عمرو كذا ثم إن بكراً قال قولاً حسناً يستطاب لما قد تكرر القول مراراً وأما الحكمة فمن وجهين أحدهما أن خلق الأرض ثقيل والسماء في غير مكان قد يقع لجاهل أنه بالطبع وبث الدواب يقع لبعضهم أنه باختيار الدابة لأن لها اختيار فنقول الأول طبيعي والآخر اختياري للحيوان ولكن لا يشك أحد في أن الماء في الهواء من جهة فوق ليس طبعاً فإن الماء لا يكون بطبعه فوق ولا اختياراً إذ الماء لا اختيار له فهو بإرادة الله تعالى فقال وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء الثاني هو أن إنزال الماء نعمة ظاهرة متكررة في كل زمان متكثرة في كل مكان فأسنده إلى نفسه صريحاً ليتنبه الإنسان لشكر نعمته فيزيد له من رحمته وقوله تعالى فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ أي من كل جنس وكل جنس فتحته زوجان لأن النبات إما أن يكون شجراً وإما أن يكون غير شجر والذي هو الشجر إما أن يكون مثمراً وإما أن يكون غير مثمر والمثمر كذلك ينقسم قسمين وقوله تعالى كَرِيمٌ أي ذي كرم لأنه يأتي كثيراً من غير حساب أو مكرم مثل بغض للمبغض
هَاذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ
قوله تعالى هَاذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ يعني الله خالق وغيره ليس بخالق فكيف تتركون عبادة الخالق وتشتغلون بعبادة المخلوق
ثم قال تعالى بَلِ الظَّالِمُونَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ أي بين أو مبين للعاقل أنه ضلال وهذا لأن ترك


الصفحة التالية
Icon