وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَى َّ الْمَصِيرُ
لما منعه من العبادة لغير الله والخدمة قريبة منها في الصورة بين أنها غير ممتنعة بل هي واجبة لغير الله في بعض الصور مثل خدمة الأبوين ثم بين السبب فقال حَمَلَتْهُ أُمُّهُ يعني لله على العبيد نعمة الإيجاد ابتداء بالخلق ونعمة الإبقاء بالرزق وجعل بفضله لأم ما له صورة ذلك وإن لم يكن لها حقيقة فإن الحمل به يظهر الوجود وبالرضاع يحصل التربية والبقاء فقال حملته أمه أي صارت بقدرة الله سبب وجوده وفصاله في عامين أي صارت بقدرته أيضاً سبب بقائه فإذا كان منها ما له صورة الوجود والبقاء وجب عليه ما له شبه العبادة من الخدمة فإن الخدمة لها صورة العبادة فإن قال قائل وصى الله بالوالدين وذكر السبب في حق الأم فنقول خص الأم بالذكر وفي الأب ما وجد في الأم فإن الأب حمله في صلبه سنين ورباه بكسبه سنين فهو أبلغ وقوله أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوالِدَيْكَ لما كان الله تعالى بفضله جعل من الوالدين صورة ما من الله فإن الوجود في الحقيقة من الله وفي الصورة يظهر من الوالدين جعل الشكر بينهما فقال أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوالِدَيْكَ ثم بين الفرق وقال إِلَى َّ الْمَصِيرُ يعني نعمتهما مختصة بالدنيا ونعمتي في الدنيا والآخرة فإن إلي المصير أو نقول لما أمر بالشكر لنفسه وللوالدين قال الجزاء على وقت المصير إلي
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَى َّ ثُمَّ إِلَى َّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
يعني أن خدمتهما واجبة وطاعتهما لازمة ما لم يكن فيها ترك طاعة الله أما إذا أفضى إليه فلا تطعهما وقد ذكرنا تفسير الآية في العنكبوت وقال ههنا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَى َّ يعني صاحبهما بجسمك فإن حقهما على جسمك واتبع سبيل النبي عليه السلام بعقلك فإنه مربي عقلك كما أن الوالد مربي جسمك
يابُنَى َّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّة ٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَة ٍ أَوْ فِى السَّمَاوَاتِ أَوْ فِى الأرض يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
لما قال فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وقع لابنه أن ما يفعل في خفية يخفي فقال وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا أي الحسنة والسيئة إن كانت في الصعر مثل حبة خردل وتكون مع ذلك الصغر في موضع حريز كالصخرة لا تخفي على الله وفيه مسائل


الصفحة التالية
Icon