معرفة الله اعتقاد وجوده والمنكر اعتقاد وجود غيره معه فلم يأمره بذلك المعروف لحصوله ونهاه عن المنكر لأنه ورد في التفسير أن ابنه كان مشركاً فوعظه ولم يزل يعظه حتى أسلم وأما ههنا فأمر أمراً مطلقاً والمعروف مقدم على المنكر ثم قال تعالى وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ يعني أن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يؤذي فأمره بالصبر عليه وقوله إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاْمُورِ أي من الأمور الواجبة المعزومة أي المقطوعة ويكون المصدر بمعنى المفعول كما تقول أكلي في النهار رغيف خبز أي مأكولي
وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى الأرض مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
لما أمره أمره بأن يكون كاملاً في نفسه مكملاً لغيره وكان يخشى بعدهما من أمرين أحدهما التكبر على الغير بسبب كونه مكملاً له والثاني التبختر في النفس بسبب كونه كاملاً في نفسه فقال وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ تكبراً وَلاَ تَمْشِ فِى الاْرْضِ مَرَحًا تبختراً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ يعني من يكون به خيلاء وهو الذي يرى الناس عظمة نفسه وهو التكبر فَخُورٌ يعني من يكون مفتخراً بنفسه وهو الذي يرى عظمة لنفسه في عينه وفي الآية لطيفة وهو أن الله تعالى قدم الكمال على التكميل حيث قال أَقِمِ الصَّلَواة َ ثم قال وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وفي النهي قدم ما يورثه التكميل على ما يورثه الكمال حيث قال وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ ثم قال وَلاَ تَمْشِ فِى الاْرْضِ مَرَحًا لأن في طرف الإثبات من لا يكون كاملاً لا يمكن أن يصير مكملاً فقدم الكمال وفي طرف النفي من يكون متكبراً على غيره متبختراً لأنه لا يتكبر على الغير إلا عند اعتقاده أنه أكبر منه من وجه وأما من يكون متبختراً في نفسه لا يتكبر ويتوهم أنه يتواضع للناس فقدم نفي التكبر ثم نفي التبختر لأنه لو قد نفي التبختر للزم منه نفي التكبر فلا يحتاج إلى النهي عنه ومثاله أنه لا يجوز أن يقال لا تفطر ولا تأكل لأن من لا يفطر لا يأكل ويجوز أن يقال لا تأكل ولا تفطر لأن من لا يأكل قد يفطر بغير الأكل ولقائل أن يقول إن مثل هذا الكلام يكون للتفسير فيقول لا تفطر ولا تأكل أي لا تفطر بأن تأكل ولا يكون نهيين بل واحداً
وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الاٌّ صْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ
لما قال وَلاَ تَمْشِ فِى الاْرْضِ مَرَحًا وعدم ذلك قد يكون بضده وهو الذي يخالف غاية الاختلاف وهو مشي المتماوت الذي يرى من نفسه الضعف تزهداً فقال وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ أي كن وسطاً بين الطرفين المذمومين وفي الآية مسائل
المسألة الأولى هل للأمر بالغض من الصوت مناسبة مع الأمر بالقصد في المشي فنقول نعم سواء علمناها نحن أو لم نعلمها وفي كلام الله من الفوائد ما لا يحصره حد ولا يصيبه عد ولا يعلمه أحد والذي يظهر وجوه الأول هو أن الإنسان لما كان شريفاً تكون مطالبه شريفة فيكون فواتها خطراً فأقدر الله


الصفحة التالية
Icon