ليس مجرد عدم البصر وعدم السمع إذ الحجر والشجر لا بصر لهما ولا سمع ولا يقال لشيء منهما إنه أصم أو أعمى إذا علم هذا فنقول ما يتحقق فيه العمى والصمم لا بد من أن يكون فيه اقتضاء لخلافهما وإلا لما كان يقال له أعمى وأصم وما يكون فيه اقتضاء شيء ويترتب عليه مقتضاه لا تطلب النفس له سبباً لأن من يرى المتعيش في السوق لا يقول لم دخل السوق وما يثبت على خلاف المقتضى تطلب النفس له سبباً كمن يرى ملكاً في السوق يقول لم دخل فإذن سبب العمى والصمم يطلبه كل واحد فيقول لم صار فلان أعمى ولا يقول لم صار فلان بصيراً وإذا كان كذلك قدم الله تعالى ما تطلب النفس سببه وهو الليل الذي هو على وزان العمى والظلمة والموت لكون كل واحد طالباً سببه ثم ذكر بعده الأمر الآخر
المسألة الثانية قال يُولِجُ بصيغة المستقبل وقال في الشمس والقمر سخر بصيغة الماضي لأن إيلاج الليل في النهار أمر يتجدد كل فصل بل كل يوم وتسخير الشمس والقمر أمر مستمر كما قال تعالى حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ ( ي س ٣٩ )
المسألة الثالثة قدم الشمس على القمر مع تقدم الليل الذي فيه سلطان القمر على النهار الذي فيه سلطان الشمس لما بينا أن تقديم الليل كان لأن الأنفس تطلب سببه أكثر مما تطلب سبب النهار وههنا كذلك لأن الشمس لما كانت أكبر وأعظم كانت أعجب والنفس تطلب سبب الأمر العجيب أكثر مما تطلب سبب الأمر الذي لا يكون عجيباً
المسألة الرابعة ما تعلق قوله تعالى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ بما تقدم نقول لما كان الليل والنهار محل الأفعال بين أن ما يقع في هذين الزمانين اللذين هما بتصرف الله لا يخفى على الله
المسألة الخامسة قوله تعالى أَلَمْ تَرَ يحتمل وجهين أحدهما أن يكون الخطاب مع النبي ( ﷺ ) وعليه الأكثرون وكأنه ترك الخطاب مع غيره لأن من هو غيره من الكفار لا فائدة للخطاب معهم لإصرارهم ومن هو غيره من المؤمنين فهم مؤتمرون بأمر النبي عليه الصلاة والسلام ناظرون إليه الوجه الثاني أن يقال المراد منه الوعظ والواعظ يخاطب ولا يعين أحداً فيقول لجمع عظيم يا مسكين إلى الله مصيرك فمن نصيرك ولماذا تقصيرك فقوله أَلَمْ تَرَ يكون خطاباً من ذلك القبيل أي يا أيها الغافل ألم تر هذا الأمر الواضح
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِى ُّ الْكَبِيرُ
ولما ذكر تعالى أوصاف الكمال بقوله إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِى ُّ الْحَمِيدُ ( لقمان ٢٦ ) وقوله أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( البقرة ٢٢٠ ) وقوله إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( المجادلة ١ ) وأشار إلى الإرادة والكمال بقوله مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ( لقمان ٢٧ ) وبقوله يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وعلى الجملة فقوله هُوَ الْغَنِى ُّ إشارة إلى كل صفة سلبية فإنه إذا كان غنياً لا يكون عرضاً محتاجاً إلى الجوهر في القوام ولا جسماً محتاجاً إلى الحيز في الدوام ولا شيئاً من الممكنات المحتاجة إلى


الصفحة التالية
Icon