بعيد فإنهم كانوا من أولاد إبراهيم وجميع أنبياء بني إسرائيل من أولاد أعمامهم وكيف كان الله يترك قوماً من وقت آدم إلى زمان محمد بلا دين ولا شرع وإن كنت تقول بأنهم ما جاءهم رسول بخصوصهم يعني ذلك القرن فلم يكن ذلك مختصاً بالعرب بل أهل الكتاب أيضاً لم يكن ذلك القرن قد أتاهم رسول وإنما أتى الرسل آباءهم وكذلك العرب أتى الرسل آباءهم كيف والذي عليه الأكثرون أن آباء محمد عليه الصلاة والسلام كانوا كفاراً ولأن النبي أوعدهم وأوعد آباءهم بالعذاب وقال تعالى وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ( الإسراء ١٥ ) وأما المعقول وهو أن الله تعالى أجرى عادته على أن أهل عصر إذا ضلوا بالكلية ولم يبق فيهم من يهديهم يلطف بعباده ويرسل رسولاً ثم إنه إذا أراد طهرهم بإزالة الشرك والكفر من قلوبهم وإن أراد طهر وجه الأرض باهلاكهم ثم أهل العصر ضلوا بعد الرسل حتى لم يبق على وجه الأرض عالم هاد ينتفع بهدايته قوم وبقوا على ذلك سنين متطاولة فلم يأتهم رسول قبل محمد عليه الصلاة والسلام فقال لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم أي بعد الضلال الذي كان بعد الهداية لم يأتهم نذير
المسألة الثانية لو قال قائل التخصيص بالذكر يدل على نفي ما عداه فقوله لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم يوجب أن يكون إنذاره مختصاً بمن لم يأته نذير لكن أهل الكتاب قد أتاهم نذير فلا يكون الكتاب منزلاً إلى الرسول لينذر أهل الكتاب فلا يكون رسولاً إليهم نقول هذا فاسد من وجوه أحدها أن التخصيص لا يوجب نفي ما عداه والثاني أنه وإن قال به قائل لكنه وافق غيره في أن التخصيص إن كان له سبب غير نفي ما عداه لا يوجب نفي ما عداه وههنا وجد ذلك لأن إنذارهم كان أولى ألا ترى أنه تعالى قال وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ ( العراء ٢١٤ ) ولم يفهم منه أنه لا ينذر غيرهم أو لم يأمر بإنذار غيرهم وإنذار المشركين كان أولى لأن إنذارهم كان بالتوحيد والحشر وأهل الكتاب لم ينذروا إلا بسبب إنكارهم الرسالة فكانوا أولى بالذكر فوقع التخصيص لأجل ذلك الثالث هو أن على ما ذكرنا لا يرد ما ذكره أصلا لأن أهل الكتاب كانوا قد ضلوا ولم يأتهم نذير من قبل محمد بعد ضلالهم فلزم أن يكون مرسلا إلى الكل على درجة سواء وبهذا يتبين حسن ما اخترناه وقوله لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ يعني تنذرهم راجياً أنت اهتداءهم
اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّة ِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ
لما ذكر الرسالة بين ما على الرسول من الدعاء إلى التوحيد وإقامة الدليل فقال اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ الله مبتدأ وخبره الذي خلق يعني الله هو الذي خلق السموات والأرض ولم يخلقهما إلا واحد فلا إله إلا واحد وقد ذكرنا أن قوله تعالى فِي سِتَّة ِ أَيَّامٍ إشارة إلى ستة أحوال في نظر الناظرين وذلك لأن السموات والأرض وما بينهما ثلاثة أشياء ولكل واحد منها ذات وصفة فنظراً إلى خلقه ذات السموات حالة ونظراً إلى خلقه صفاتها أخرى ونظراً إلى ذات الأرض وإلى صفاتها كذلك ونظراً إلى ذوات ما بينهما وإلى صفاتها كذلك فهي ستة أشياء على ستة أحوال وإنما ذكر الأيام لأن الإنسان إذا نظر إلى الخلق رآه فعلا