بأن أمره قديم حتى الحروف وكلمة كن فكيف فهم من كلمة على كونه في مكان ولم يفهم من كلمة في كون أمره في زمان ثم بين أن هذا الملك العظيم النافذ الأمر غير غافل فإن الملك إذا كان آمراً ناهياً يطاع في أمره ونهيه ولكن يكون غافلاً لا يكون مهيباً عظيماً كما يكون مع ذلك خبيراً يقظاً لا تخفى عليه أمور الممالك والمماليك فقال ذالِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة ِ ولما ذكر من قبل عالم الأشباح بقوله خُلِقَ السَّمَاوَاتِ وعالم الأرواح بقوله يُدَبّرُ الاْمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الاْرْضِ قال عَالِمُ الْغَيْبِ يعلم ما في الأرواح وَالشَّهَادَة ِ يعلم ما في الأجسام أو نقول قال عَالِمُ الْغَيْبِ إشارة إلى ما لم يكن بعد وَالشَّهَادَة ِ إشارة إلى ما وجد وكان وقدم العلم بالغيب لأنه أقوى وأشد إنباء عن كمال العلم ثم قال تعالى الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ لما بين أنه عالم ذكر أنه عزيز قادر على الانتقام من الكفرة رحيم واسع الرحمة على البررة ثم قال تعالى الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَى ْء خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ لما بين الدليل الدال على الوحدانية من الآفاق بقوله خُلِقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا وأتمه بتوابعه ومكملاته ذكر الدليل الدال عليها من الأنفس بقوله الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَى ْء يعني أحسن كل شيء مما ذكره وبين أن الذي بين السموات والأرض خلقه وهو كذلك لأنك إذا نظرت إلى الأشياء رأيتها على ما ينبغي صلابة الأرض للنبات وسلاسة الهواء للاستنشاق وقبول الانشقاق لسهولة الاستطراق وسيلان الماء لنقدر عليه في كل موضع وحركة النار إلى فوق لأنها لو كانت مثل الماء تتحرك يمنة ويسرة لاحترق العالم فخلقت طالبة لجهة فوق حيث لا شيء هناك يقبل الاحتراق وقوله وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ قيل المراد آدم عليه السلام فإنه خلق من طين ويمكن أن يقال بأن الطين ماء وتراب مجتمعان والآدمي أصله منى والمنى أصله غذاء والأغذية إما حيوانية وإما نباتية والحيوانية بالآخرة ترجع إلى النباتية والنبات وجوده بالماء والتراب الذي هو طين
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَة ٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالاٌّ بْصَارَ وَالاٌّ فْئِدَة َ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ
وقوله تعالى ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَة ٍ مّن مَّاء مَّهِينٍ على التفسير الأول ظاهر لأن آدم كان من طين ونسله من سلالة من ماء مهين هو النطفة وعلى التفسير الثاني هو أن أصله من الطين ثم يوجد من ذلك الأصل سلالة هي من ماء مهين فإن قال قائل التفسير الثاني غير صحيح لأن قوله بَدَأَ خَلَقَ الإِنسَانَ ثم


الصفحة التالية
Icon