ولهذا استدل الله على إمكان الحشر بالخلق الأول كما قال ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ( الروم ٢٧ ) وقوله قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة ٍ ( ي س ٧٩ ) وكذلك خلق السموات كما قال تعالى أَوَلَيْسَ الَذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى ( ي س ٨١ ٨٢ )
وقوله تعالى إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ أي أئنا كائنون في خلق جديد أو واقعون فيه بَلْ هُم بِلَقَاء رَبّهِمْ كَافِرُونَ إضراب عن الأول يعني ليس إنكارهم لمجرد الخلق ثانياً بل يكفرون بجميع أحوال الآخرة حتى لو صدقوا بالخلق الثاني لما اعترفوا بالعذاب والثواب أو نقول معناه لم ينكروا البعث لنفسه بل لكفرهم فإنهم أنكروه فأنكروا المفضى إليه ثم بين ما يكون لهم من الموت إلى العذاب
قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
يعني لا بد من الموت ثم من الحياة بعده وإليه الإشارة بقوله ثُمَّ إِلَى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ وقوله الَّذِى وُكّلَ بِكُمْ إشارة إلى أنه لا يغفل عنكم وإذا جاء أجلكم لا يؤخركم إذ لا شغل له إلا هذا وقوله يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ ينبىء عن بقاء الأرواح فإن التوفي الاستيفاء والقبض هو الأخذ والإعدام المحض ليس بأخذ ثم إن الروح الزكي الطاهر يبقى عند الملائكة مثل الشخص بين أهله المناسبين له والخبيث الفاجر يبقى عندهم كأسير بين قوم لا يعرفهم ولا يعرف لسانهم والأول ينمو ويزيد ويزداد صفاؤه وقوته والآخر يذبل ويضعف ويزداد شقاؤه وكدورته والحكماء يقولون إن الأرواح الطاهرة تتعلق بجسم سماوي خير من بدنها وتكمل به والأرواح الفاجرة لا كمال لها بعد التعلق الثاني فإن أرادوا ما ذكر بها فقد وافقونا وإلا فيغير النظر في ذلك بحسب إرادتهم فقد يكون قولهم حقاً وقد يكون غير حق فإن قيل هم أنكروا الإحياء والله ذكر الموت وبينهما مباينة نقول فيه وجهان أحدهما أن ذلك دليل الإحياء ودفع استبعاد ذلك فإنهم قالوا ما عدم بالكلية كيف يكون الموجود عين ذلك فقال الملك يقبض الروح والأجزاء تتفرق فجمع الأجزاء لا بعد فيه وأمر الملك برد ما قبضه لا صعوبة فيه أيضاً فقوله قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ أي الأرواح معلومة فترد إلى أجسادها
وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ
لما ذكر أنهم يرجعون إلى ربهم بين ما يكون عند الرجوع على سبيل الإجمال بقوله وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ يعني لو ترى حالهم وتشاهد استخجالهم لترى عجباً وقوله تَرَى يحتمل أن يكون خطاباً مع الرسول ( ﷺ ) تشفياً لصدره فإنهم كانوا يؤذونه بالتكذيب ويحتمل أن يكون عاماً مع كل أحد كما يقول القائل إن فلاناً كريم إن خدمته ولو لحظة يحسن إليك طول عمرك ولا يريد به خاصاً وقوله عِندَ رَبّهِمْ


الصفحة التالية
Icon