ثم بين الهداية وقال ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ ءابَاءهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِى الدّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ
قوله تعالى ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ أرشد وقال هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ أي أعدل فإنه وضع الشيء في موضعه وهو يحتمل وجهين أحدهما أن يكون ترك الإضافة للعموم أي أعدل كل كلام كقول القائل الله أكبر وثانيهما أن يكون ما تقدم منوياً كأنه قال ذلك أقسط من قولكم هو ابن فلان ثم تمم الإرشاد وقال ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ يعني قولوا لهم إخواننا وأخو فلان فإن كانوا محررين فقولوا مولى فلان ثم قال تعالى وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ يعني قول القائل لغيره يا بني بطريق الشفقة وقول القائل لغيره يا أبي بطريق التعظيم فإنه مثل الخطأ ألا ترى أن اللغو في اليمين مثل الخطأ وسبق اللسان فكذلك سبق اللسان في قول القائل ابني والسهو في قوله ابني من غير قصد إلى إثبات النسب سواء وقوله وَلَاكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ مبتدأ خبره محذوف يدل عليه ما سبق وهو الجناح يعني ما تعمدت قلوبكم فيه جناح وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً يغفر الذنوب ويرحم المذنب وقد ذكرنا كلاماً شافياً في المغفرة والرحمة في مواضع ونعيد بعضها ههنا فنقول المغفرة هو أن يسترد القادر القبيح الصادر ممن تحت قدرته حتى أن العبد إذا ستر عيب سيده مخافة عقابه لا يقال إنه غفر له والرحمة هو أن يميل إليه بالإحسان لعجز المرحوم إليه لا لعوض فإن من مال إلى إنسان قادر كالسلطان لا يقال رحمه وكذا من أحسن إلى غيره رجاء في خيره أو عوضاً عما صدر منه آنفاً من الإحسان لا يقال رحمه إذا علم هذا فالمغفرة إذا ذكرت قبل الرحمة يكون معناها أنه ستر عيبه ثم رآه مفلساً عاجزاً فرحمه وأعطاه ما كفاه وإذا ذكرت المغفرة بعد الرحمة وهو قليل يكون معناها أنه مال إليه لعجزه فترك عقابه ولم يقتصر عليه بل ستر ذنوبه
النَّبِى ُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الاٌّ رْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِى الْكِتَابِ مَسْطُوراً
قوله تعالى النَّبِى ُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ تقرير لصحة ما صدر منه عليه الصلاة والسلام من التزوج بزينب وكأن هذا جواب عن سؤال وهو أن قائلاً لو قال هب أن الأدعياء ليسوا بأبناء كما قلت لكن من سماه غيره ابناً إذا كان لدعيه شيء حسن لا يليق بمروءته أن يأخذه منه ويطعن فيه عرفاً فقال الله تعالى النَّبِى ُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ جواباً عن ذلك السؤال وتقريره هو أن دفع الحاجات على مراتب دفع حاجة الأجانب ثم دفع حاجة الأقارب الذين على حواشي النسب ثم دفع حاجة الأصول والفصول ثم دفع حاجة النفس والأول عرفاً دون الثاني وكذلك شرعاً فإن العاقلة تتحمل الدية عنهم ولا تتحملها عن الأجانب والثاني دون الثالث أيضاً وهو ظاهر بدليل النفقة والثالث دون الرابع فإن النفس تقدم على الغير وإليه أشار النبي عليه الصلاة


الصفحة التالية
Icon