المسألة الثانية خص بالذكر أربعة من الأنبياء وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى لأن موسى وعيسى كان لهما في زمان نبينا قوم وأمة فذكرهما احتجاجاً على قومهما وإبراهيم كان العرب يقولون بفضله وكانوا يتبعونه في الشعائر بعضها ونوحاً لأنه كان أصلاً ثانياً للناس حيث وجد الخلق منه بعد الطوفان وعلى هذا لو قال قائل فآدم كان أولى بالذكر من نوح فنقول خلق آدم كان للعمارة ونبوته كانت مثل الإرشاد للأولاد ولهذا لم يكن في زمانه إهلاك قوم ولا تعذيب وأما نوح فكان مخلوقاً للنبوة وأرسل للإنذار ولهذا أهلك قومه وأغرقوا
المسألة الثالثة في كثير من المواضع يقول الله عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ( البقرة ٨٧ ) الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ( المائدة ١٧ ) إشارة إلى أنه لا أب له إذ لو كان لوقع التعريف به وقوله وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَاقاً غَلِيظاً غلظ الميثاق هو سؤالهم عما فعلوا في الإرسال كما قال تعالى فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ ( الأعراف ٦ ) وهذا لأن الملك إذا أرسل رسولاً وأمره بشيء وقبله فهو ميثاق فإذا أعلمه بأنه يسأل عن حاله في أفعاله وأقواله يكون ذلك تغليظاً للميثاق عليه حتى لا يزيد ولا ينقص في الرسالة وعلى هذا يمكن أن يقال بأن المراد من قوله تعالى وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَاقاً غَلِيظاً ( النساء ٢١ ) هو الإخبار بأنهم مسؤلون عنها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) وكما أن الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء جعل الأنبياء قائمين بأمور أمتهم وإرشادهم إلى سبيل الرشاد
لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً
يعني أرسل الرسل وعاقبة المكلفين إما حساب وإما عذاب لأن الصادق محاسب والكافر معذب وهذا كما قال علي عليه السلام ( الدنيا حلالها حساب وحرامها عذاب ) وهذا مما يوجب الخوف العام فيتأكد قوله مُّنتَظِرُونَ ياأَيُّهَا النَّبِى ّ اتَّقِ اللَّهَ
ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَة َ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الاٌّ بْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ
تحقيقاً لما سبق من الأمر بتقوى الله بحيث لا يبقى معه خوف من أحد وذلك لأن واقعة اجتماع الأحزاب واشتداد الأمر على الأصحاب حيث اجتمع المشركون بأسرهم واليهود بأجمعهم ونزلوا على المدينة وعمل النبي عليه السلام الخندق كان الأمر في غاية الشدة والخوف بالغاً إلى الغاية والله دفع القوم عنهم من غير قتال وآمنهم من الخوف فينبغي أن لا يخاف العبد غير ربه فإنه كاف أمره ولا يأمن مكره فإنه قادر على كل


الصفحة التالية
Icon