المسألة الثانية قوله تعالى وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فيه لطيفة وهي أن العادة إذا قيل لمن كان يعتاد دخول دار من غير إذن لا تدخلها إلا بإذن يتأذى وينقطع بحيث لا يدخلها أصلاً لا بالدعاء ولا بالدعاء فقال لا تفعلوا مثل ما يفعله المستنكفون بل كونوا طائعين سامعين إذا قيل لكم لا تدخلوا لا تدخلوا وإذا قيل لكم ادخلوا فادخلوا وإناه قيل وقته وقيل استواؤه وقوله إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ يفيد الجواز وقوله وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ يفيد الوجود فقوله وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ ليس تأكيداً بل هو يفيد فائدة جديدة
المسألة الثالثة لا يشترط في الإذن التصريح به بل إذا حصل العلم بالرضا جاز الدخول ولهذا قال إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ من غير بيان فاعل فالآذن إن كان الله أو النبي أو العقل المؤيد بالدليل جاز والنقل دال عليه حيث قال تعالى أَوْ صَدِيقِكُمْ وحد الصداقة لما ذكرنا فلو جاء أبو بكر وعلم أن لا مانع في بيت عائشة من بيوت النبي عليه السلام من تكشف أو حضور غير محرم عندها أو علم خلو الدار من الأهل أو هي محتاجة إلى إطفاء حريق فيها أو غير ذلك جاز الدخول
المسألة الرابعة قوله فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ كأن بعض الصحابة أطال المكث يوم وليمة النبي عليه السلام في عرس زينب والنبي عليه السلام لم يقل له شيئاً فوردت الآية جامعة لآداب منها المنع من إطالة المكث في بيوت الناس وفي معنى البيت موضع مباح اختاره شخص لعبادته أو اشتغاله بشغل فيأتيه أحد ويطيل المكث عنده وقوله وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ قال الزمخشري هو عطف على غَيْرَ نَاظِرِينَ مجرور ويحتمل أن يكون منصوباً عطفاً على المعنى فإن معنى قوله تعالى لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِى ّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ لا تدخلوها هاجمين فعطف عليه وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ ثم إن الله تعالى بين كون ذلك أدباً وكون النبي حليماً بقوله يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِى ّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى إشارة إلى أن ذلك حق وأدب وقوله كان إشارة إلى تحمل النبي عليه السلام ثم ذكر الله أدباً آخر وهو قوله يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِى ّ لما منع الله الناس من دخول بيوت النبي عليه السلام وكان في ذلك تعذر الوصول إلى الماعون بين أن ذلك غير ممنوع منه فليسأل وليطلب من وراء حجاب وقوله ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ يعني العين روزنة القلب فإذا لم تر العين لا يشتهي القلب أما إن رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي فالقلب عند عدم الرؤية أطهر وعدم الفتنة حينئذ أظهر ثم إن الله تعالى لما علم المؤمنين الأدب أكده بما يحملهم على محافظته فقال وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وكل ما منعتم عنه مؤذ فامتنعوا عنه وقوله تعالى وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً قيل سبب نزوله أن بعض الناس قيل هو طلحة بن عبيد الله قال لئن عشت بعد محمد لأنكحن عائشة وقد ذكرنا أن اللفظ العام لا يغير معناه سبب النزول فإن المراد أن إيذاء الرسول حرام والتعرض لنسائه في حياته إيذاء فلا يجوز ثم قال لا بل ذلك غير جائز مطلقاً ثم أكد بقوله إِنَّ ذالِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً أي إيذاء الرسول
إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَى ْءٍ عَلِيماً


الصفحة التالية
Icon