المسألة الأولى قدم ما يلج في الأرض على ما ينزل من السماء لأن الحبة تبذر أولاً ثم تسقى ثانياً
المسألة الثانية قال وما يعرج فيها ولم يقل يعرج إليها إشارة إلى قبول الأعمال الصالحة ومرتبة النفوس الزكية وهذا لأن كلمة إلى للغاية فلو قال وما يعرج إليها لفهم الوقوف عند السموات فقال وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ليفهم نفوذها فيها وصعودها منها ولهذا قال في الكلم الطيب إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيّبُ لأن الله هو المنتهى ولا مرتبة فوق الوصول إليه وأما السماء فهي دنيا وفوقها المنتهى
المسألة الثالثة قال وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ رحيم بالإنزال حيث ينزل الرزق من السماء غفور عندما تعرج إليه الأرواح والأعمال فرحم أولاً بالإنزال وغفر ثانياً عند العروج
ثم بين أن هذه النعمة التي يستحق الله بها الحمد وهي نعمة الآخرة أنكرها قوم فقال تعالى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا السَّاعَة ُ ثم رد عليهم وقال قُلْ بَلَى وَرَبّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة ٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِى الاْرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ لّيَجْزِى َ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَة ٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
أخبر بإتيانها وأكده باليمين قال الزمخشري رحمه الله لو قال قائل كيف يصح التأكيد باليمين مع أنهم يقولون لا رب وإن كانوا يقولون به لكن المسألة الأصولية لا تثبت باليمين وأجاب عنه بأنه لم يقتصر على اليمين بل ذكر الدليل وهو قوله إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ وبيان كونه دليلاً هو أن المسيء قد يبقى في الدنيا مدة مديدة في اللذات العاجلة ويموت عليها والمحسن قد يدوم في دار الدنيا في الآلام الشديدة مدة ويموت فيها فلولا دار تكون الأجزية فيها لكان الأمر على خلاف الحكمة والذي أقوله أنا هو أن الدليل المذكور في قوله عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة ٍ أظهر وذلك لأنه إذا كان عالماً بجميع الأشياء يعلم أجزاء الأحياء ويقدر على جمعها فالساعة ممكنة القيام وقد أخبر عنها الصادق فتكون واقعة وعلى هذا فقوله تعالى فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِى الاْرْضِ فيه لطيفة وهي أن الإنسان له جسم وروح والأجسام أجزاؤها في الأرض والأرواح في السماء فقوله لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة ٍ فِى السَّمَاوَاتِ إشارة إلى علمه بالأرواح وقوله وَلاَ فِى الاْرْضِ إشارة إلى علمه بالأجسام وإذا علم الأرواح والأشباح وقدر على جمعها لا يبقى استبعاد في المعاد وقوله وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذالِكَ إشارة إلى أن ذكر مثقال الذرة ليس للتحديد بل الأصغر منه لا يعزب وعلى هذا فلو قال قائل فأي حاجة إلى ذكر الأكبر فإن من علم الأصغر من الذرة لا بد من أن يعلم الأكبر فنقول لما كان الله تعالى أراد بيان إثبات الأمور في الكتاب فلو اقتصر على الأصغر لتوهم متوهم أنه يثبت الصغائر لكونها محل النسيان أما الأكبر فلا ينسى فلا حاجة إلى إثباته فقال الإثبات


الصفحة التالية
Icon