اشكروا وثالثها أن يكون مفعولاً به كقولك اضرب زيداً كما قال تعالى الطَّيّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً ( المؤمنون ٥١ ) لأن الشكر صالح
المسألة الخامسة قوله وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِى َ الشَّكُورُ إشارة إلى أن الله خفف الأمر على عباده وذلك لأنه لما قال اعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودُ شَاكِراً فهم منه أن الشكر واجب لكن شكر نعمه كما ينبغي لا يمكن لأن الشكر بالتوفيق وهو نعمة تحتاج إلى شكر آخر وهو بتوفيق آخر فدائماً تكون نعمة الله بعد الشكر خالية عن الشكر فقال تعالى إن كنتم لا تقدرون على الشكر التام فليس عليكم في ذلك حرج فإن عبادي قليل منهم الشكور ويقوي قولنا أنه تعالى أدخل الكل في قوله عِبَادِى مع الإضافة إلى نفسه وعبادي بلفظ الإضافة إلى نفس المتكلم لم ترد في القرآن إلا في حق الناجين كقوله تعالى قُلْ ياعِبَادِى َ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَة ِ اللَّهِ ( الزمر ٥٣ ) وقوله إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ( الإسراء ٦٥ ) فإن قيل على ما ذكرتم شكر الله بتمامه لا يمكن وقوله قَلِيلٌ يدل على أن في عباده من هو شاكر لأنعمه نقول الشكر بقدر الطاقة البشرية هو الواقع وقليل فاعله وأما الشكر الذي يناسب نعم الله فلا قدرة عليه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها أو نقول الشاكر التام ليس إلا من رضي الله عنه وقال له يا عبدي ما أتيت به من الشكر القليل قبلته منك وكتبت لك أنك شاكر لأنعمي بأسرها وهذا القبول نعمة عظيمة لا أكلفك شكرها
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّة ُ الأرض تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ
لما بين عظمة سليمان وتسخير الريح والروح له بين أنه لم ينج من الموت وأنه قضى عليه الموت تنبيهاً للخلق على أن الموت لا بد منه ولو نجا منه أحد لكان سليمان أولى بالنجاة منه وفيه مسائل
المسألة الأولى كان سليمان عليه السلام يقف في عبادة الله ليلة كاملة ويوماً تاماً وفي بعض الأوقات يزيد عليه وكان له عصا يتكىء عليها واقفاً بين يدي ربه ثم في بعض الأوقات كان واقفاً على عادته في عبادته إذ توفي فظن جنوده أنه في العبادة وبقي كذلك أياماً وتمادى شهوراً ثم أراد الله إظهار الأمر لهم فقدر أن أكلت دابة الأرض عصاه فوقع وعلم حاله
وقوله تعالى فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ كانت الجن تعلم ما لا يعلمه الإنسان فظن أن ذلك القدر علم الغيب وليس كذلك بل الإنسان لم يؤت من العلم إلا قليلاً فهو أكثر الأشياء الحاضرة لا يعلمه والجن لم تعلم إلا الأشياء الظاهرة وإن كانت خفية بالنسبة إلى


الصفحة التالية
Icon