وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّة ً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
لما بين مسألة التوحيد شرع في الرسالة فقال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّة ً وفيه وجهان أحدها كافة أي إرسالة كافة أي عامة لجميع الناس تمنعهم من الخروج عن الانقياد لها والثاني كافة أي أرسلناك كافة تكف أنت من الكفر والهاء للمبالغة على هذا الوجه بَشِيراً أي تحثهم بالوعد وَنَذِيرًا تزجرهم بالوعيد وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ذلك لا لخفائه ولكن لغفلتهم
وَيَقُولُونَ مَتَى هَاذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
ثم قال تعالى وَيَقُولُونَ مَتَى هَاذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ لما ذكر الرسالة بين الحشر
قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأخِرُونَ عَنْهُ سَاعَة ً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ
وقال قُل لَّكُم مّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَئَخِرُونَ عَنْهُ سَاعَة ً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ قد ذكرنا في سورة الأعراف أن قوله لاَّ تَسْتَئَخِرُونَ يوجب الإنذار لأن معناه عدم المهلة عن الأجل ولكن الاستقدام ما وجهه وذكرنا هناك وجهه ونذكر ههنا أنهم لما طلبوا الاستعجال بين أنه لا استعجال فيه كما لا أمهال وهذا يفيد عظم الأمر وخطر الخطب وذلك لأن الأمر الحقير إذا طالبه طالب من غيره لا يؤخره ولا يوقفه على وقت بخلاف الأمر الخطير وفي قوله تعالى لَّكُم مّيعَادُ يَوْمٍ قراءات أحدها رفعهما مع التنوين على وهذا يوم بدل وثانيها نصب يوم مع رفع ميعاد والتنوين فيهما ميعاد يوماً قال الزمخشري ووجهه أنه منصوب بفعل محذوف كأنه قال ميعاد أعني يوماً وذلك يفيد التعظيم والتهويل ويحتمل أن يقال نصب على الظرف تقديره لكم ميعاد يوماً كما يقول القائل أنا جائيك يوماً وعلى هذا يكون العامل فيه العلم كأنه يقول لكم ميعاد تعلمونه يوماً وقوله معلوم يدل عليه كقول القائل إنه مقتول يوماً الثالثة الإضافة لكم ميعاد يوم كما في قول القائل سحق ثوب للتبيين وإسناد الفعل إليهم بقوله لاَّ تَسْتَئَخِرُونَ عَنْهُ بدلاً عن قوله لاَ يُؤَخَّرُ عَنْكُمْ زيادة تأكيد لوقوع اليوم
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَاذَا الْقُرْءَانِ وَلاَ بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ
ثم قال تعالى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَاذَا الْقُرْءانِ وَلاَ بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ لما بين الأمور الثلاثة من التوحيد والرسالة والحشر وكانوا بالكل كافرين بين كفرهم العام بقوله وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَاذَا الْقُرْءانِ وذلك لأن القرآن مشتمل على الكل وقوله وَلاَ بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ المشهور أنه التوراة والإنجيل وعلى هذا فالذين كفروا المراد منهم المشركون المنكرون للنبوات والحشر ويحتمل أن يقال إن المعنى هو أنا لا نؤمن بالقرآن أنه من الله ولا بالذي بين يديه أي ولا بما فيه من الإخبارات والمسائل والآيات والدلائل وعلى هذا فالذين كفروا المراد منهم العموم لأن أهل الكتاب لم يؤمنوا بالقرآن أنه من الله ولا بالذي فيه من الرسالة وتفاصيل الحشر فإن قيل أليس هم مؤمنون بالوحدانية والحشر فنقول إذا لم يصدق واحد ما في الكتاب من الأمور المختصة به يقال فيه إنه لم يؤمن بشيء منه وإن آمن ببعض ما فيه لكونه في غيره فيكون إيمانه لا بما فيه مثاله أن من يكذب رجلاً فيما يقوله فإذا أخبره بأن النار حارة لا يكذبه فيه ولكن لا يقال إنه


الصفحة التالية
Icon