يعني أن الرزق في الدنيا لا تدل سعته وضيقه على حال المحق والمبطل فكم من موسر شقي ومعسر تقي وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ أي أن قلة الرزق وضنك العيش وكثرة المال وخصب العيش بالمشيئة من غير اختصاص بالفاسق والصالح
وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَائِكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِى الْغُرُفَاتِ ءَامِنُونَ
ثم بين فساد استدلالهم بقولهم وَمَا أَمْوالُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ
يعني قولكم نحن أكثر أموالاً فنحن أحسن عند الله حالاً ليس استدلالاً صحيحاً فإن المال لا يقرب إلى الله ولا اعتبار بالتعزز به وإنما المفيد العمل الصالح بعد الإيمان والذي يدل عليه هو أن المال والولد يشغل عن الله فيبعد عنه فكيف يقرب منه والعمل الصالح إقبال على الله واشتغال بالله ومن توجه إلى الله وصل ومن طلب من الله شيئاً حصل وقوله فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضّعْفِ أي الحسنة فإن الضعف لا يكون إلا في الحسنة وفي السيئة لا يكون إلا المثل
ثم زاد وقال وَهُمْ فِى الْغُرُفَاتِ ءامِنُونَ إشارة إلى دوام النعيم وتأبيده فإن من تنقطع عنه النعمة لا يكون آمناً
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِى ءَايَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَائِكَ فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ
ثم بين حال المسىء بقوله وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِى ءايَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ
وقد ذكرنا تفسيره وقوله أُوْلَئِكَ فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ إشارة إلى الدوام أيضاً كما قال تعالى كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا ( السجدة ٢٠ ) وكما قال تعالى وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ( الإنفطار ١٦ )
قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَى ْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
ثم قال تعالى مرة أخرى قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَى ْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ( الجمعة ١١ ) إشارة إلى أن نعيم الآخرة لا ينافي نعمة الدنيا بل الصالحون قد يحصل لهم في الدنيا النعم مع القطع بحصول النعيم لهم في العقبى بناءً على الوعد قطعاً لقول من يقول إذا كانت العاجلة لنا والآجلة لهم فالنقد أولى فقال هذا النقد غير مختص بكم فإن كثيراً من الأشقياء مدقعون وكثير من الأتقياء ممتعون وفيه مسائل
المسألة الأولى ذكر هذا المعنى مرتين مرة لبيان أن كثرة أموالهم وأولادهم غير دالة على حسن أحوالهم واعتقادهم ومرة لبيان أنه غير مختص بهم كأنه قال وجود الترف لا يدل على الشرف ثم إن سلمنا أنه كذلك لكن المؤمنين سيحصل لهم ذلك فإن الله يملكهم دياركم وأموالكم والذي يدل عليه هو أن الله تعالى لم يذكر أولاً لمن يشاء من عباده بل قال لمن يشاء وثانياً قال لمن يشاء من عباده والعباد المضافة


الصفحة التالية
Icon