المؤتى في الآية الأولى هو الكتاب فحمل الإيتاء في الآية الثانية على إيتاء الكتاب أولى
قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَة ٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّة ٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَى ْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
ذكر الأصول الثلاثة في هذه الآية بعد ما سبق منه تقريرها بالدلائل فقوله أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ إشارة إلى التوحيد وقوله مَا بِصَاحِبِكُمْ مّن جِنَّة ٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ إشارة إلى الرسالة وقوله بَيْنَ يَدَى ْ عَذَابٍ شَدِيدٍ إشارة إلى اليوم الآخر وفي الآية مسائل
المسألة الأولى قوله إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِواحِدَة ٍ يقتضي أن لا يكون إلا بالتوحيد والإيمان لا يتم إلا بالاعتراف بالرسالة والحشر فكيف يصح الحصر المذكور بقوله إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِواحِدَة ٍ فنقول التوحيد هو المقصود ومن وحد الله حق التوحيد يشرح الله صدره ويرفع في الآخرة قدره فالنبي ( ﷺ ) أمرهم بما يفتح عليهم أبواب العبادات ويهيء لهم أسباب السعادات وجواب آخر وهو أن النبي ( ﷺ ) ما قال إني لا آمركم في جميع عمري إلا بشيء واحد وإنما قال أعظكم أولاً بالتوحيد ولا آمركم في أول الأمر بغيره لأنه سابق على الكل ويدل عليه قوله تعالى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ فإن التفكر أيضاً صار مأموراً به وموعوظاً
المسألة الثانية قوله بِواحِدَة ٍ قال المفسرون أنثها على أنها صفة خصلة أي أعظكم بخصلة واحدة ويحتمل أن يقال المراد حسنة واحدة لأن التوحيد حسنة وإحسان وقد ذكرنا في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ ( النحل ٢٩ ) أن العدل نفي الإلهية عن غير الله والإحسان إثبات الإلهية له وقيل في تفسير قوله تعالى هَلْ جَزَاء الإحْسَانِ إِلاَّ الإحْسَانُ ( الرحمن ٦٠ ) أن المراد هل جزاء الإيمان إلا الجنان وكذلك يدل عليه قوله تعالى وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ ( فصلت ٣٣ )
المسألة الثالثة قوله مَثْنَى وَفُرَادَى إشارة إلى جميع الأحوال فإن الإنسان إما أن يكون مع غيره أو يكون وحده فإذا كان مع غيره دخل في قوله مَثْنَى وإذا كان وحده دخل في قوله فُرَادَى فكأنه يقول تقوموا لله مجتمعين ومنفردين لا تمنعكم الجمعية من ذكر الله ولا يحوجكم الانفراد إلى معين يعينكم على ذكر الله
المسألة الرابعة قوله ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ يعني اعترفوا بما هو الأصل والتوحيد ولا حاجة فيه إلى تفكر ونظر بعد ما بان وظهر ثم تتفكروا فيما أقول بعده من الرسالة والحشر فإنه يحتاج إلى تفكر وكلمة ثم تفيد ما ذكرنا فإنه قال أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ ثم بين ما يتفكرون فيه وهو أمر النبي عليه السلام فقال مَا بِصَاحِبِكُمْ مّن جِنَّة ٍ
المسألة الخامسة قوله مَا بِصَاحِبِكُمْ مّن جِنَّة ٍ يفيد كونه رسولاً وإن كان لا يلزم في كل من لا يكون به جنة أن يكون رسولاً وذلك لأن النبي عليه السلام كان يظهر منه أشياء لا تكون مقدورة للبشر وغير البشر ممن تظهر منه العجائب إما الجن أو الملك وإذا لم يكن الصادر من النبي ( ﷺ ) بواسطة الجن يكون بواسطة الملك أو بقدرة الله تعالى من غير واسطة وعلى التقديرين فهو رسول الله وهذا من أحسن الطرق وهو أن يثبت الصفة التي هي أشرف الصفات في البشر بنفي أخس الصفات فإنه لو قال أولاً هو رسول الله كانوا يقولون فيه النزاع فإذا قال ما هو مجنون لم يسعهم إنكار ذلك لعلمهم بعلو شأنه وحاله في قوة لسانه


الصفحة التالية
Icon