بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَواة ِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الاٌّ خِرَة ِ هُمْ غَافِلُونَ
قوله تعالى بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء قدم المصدر على الفعل حيث قال بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ ( الأنفال ٦٢ ) وقدم الفعل على المصدر في قوله يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ وذلك لأن المقصود ههنا بيان أن النصرة بيد الله إن أراد نصر وإن لم يرد لا ينصر وليس المقصود النصرة ووقوعها والمقصود هناك إظهار النعمة عليه بأنه نصره فالمقصود هناك الفعل ووقوعه فقدم هناك الفعل ثم بين أن ذلك الفعل مصدره عند الله والمقصود ههنا كون المصدر عند الله إن أراد فعل فقدم المصدر
ثم قال تعالى وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ذكر من أسمائه هذين الإسمين لأنه إن لم ينصر المحب بل سلط العدو عليه فذلك لعزته وعدم افتقاره وإن نصر المحب فذلك لرحمته عليه أو نقول إن نصر الله المحب فلعزته واستغنائه عن العدو ورحمته على المحب وإن لم ينصر المحب فلعزته واستغنائه عن المحب ورحمته في الآخرة واصلة إليه
ثم قال تعالى وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ يعني سيغلبون وعدهم الله وعداً ووعد الله لا خلف فيه قوله تعالى وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ أي لا يعلمون وعده وأنه لا خلف في وعده
ثم قال تعالى يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الْحَيَواة ِ الدُّنْيَا يعني علمهم منحصر في الدنيا وأيضاً لا يعلمون الدنيا كما هي وإنما يعلمون ظاهرها وهي ملاذها وملاعبها ولا يعلمون باطنها وهي مضارها ومتاعبها ويعلمون وجودها الظاهر ولا يعلمون فناءها وَهُمْ عَنِ الاْخِرَة ِ هُمْ غَافِلُونَ والمعنى هم عن الآخرة غافلون وذكرت هم الثانية لتفيد أن الغفلة منهم وإلا فأسباب التذكر حاصلة وهذا كما يقول القائل لغيره غفلت عن أمري فإذا قال هو شغلني فلان فيقول ما شغلك ولكن أنت اشتغلت
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِى أَنفُسِهِمْ مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ
قوله تعالى أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِى أَنفُسِهِمْ لما صدر من الكفار الإنكار بالله عند إنكار وعد الله وعدم الخلف فيه كما قال تعالى وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( الأعراف ١٨٧ ) والإنكار بالحشر كما قال تعالى وَهُمْ عَنِ الاْخِرَة ِ هُمْ غَافِلُونَ ( الروم ٧ ) بين أن الغفلة وعدم العلم منهم بتقدير الله وإلا فأسباب التذكر حاصلة وهو ( أن ) أنفسهم لو تفكروا فيها لعلموا وحدانية الله وصدقوا بالحشر أما الوحدانية فلأن الله خلقهم على