ضروري يستريح الطامع من الانتظار وإن كان ضرورياً بالإبقاء له بوونه ينفطر فؤاده أشد انفطار ومثل هذا اليأس هو الإبلاس ولنبين حال المجرم وإبلاسه بمثال وهو أن نقول مثله مثل من يكون في بستان وحواليه الملاعب والملاهي ولديه ما يفتخر به ويباهي فيخبره صادق بمجيء عدو لا يرده راد ولا يصده صاد إذا جاءه لا يبلعه ريقاً ولا يترك له إلى الخلاص طريقاً فيتحتم عليه الاشتغال بسلوك طريق الخلاص فيقول له طفل أو مجنون إن هذه الشجرة التي أنت تحتها لها من الخواص دفع الأعادي عمن يكون تحتها فيقبل ذلك الغافل على استيفائه ملاذه معتمداً على الشجرة بقول ذلك الصبي فيجيئه العدو ويحيط به فأول ما يريه من الأهوال قلع تلك الشجرة فيبقى متحيراً آيساً مفتقراً فكذلك المجرم في دار الدنيا أقبل على استيفاء اللذات وأخبره النبي الصادق بأن الله يجزيه ويأتيه عذاب يخزيه فقال له الشيطان والنفس الأمارة بالسوء إن هذه الأخشاب التي هي الأوثان دافعة عنك كل بأس وشافعة لك عند خمود الحواس فاشتغل بما هو فيه واستمر على غيه حتى إذا جاءته الطامة الكبرى فأول ما أرته إلقاء الأصنام في النار فلا يجد إلى الخلاص من طريق ويحق عليه عذاب الحريق فييأس حينئذٍ أي إياس ويبلس أشد إبلاس وإليه الإشارة بقوله تعالى يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُواْ بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ( الروم ١٣ ) يعني يكفرون بهم ذلك اليوم
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة ُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ
ثم بين أمراً آخر يكون في ذلك اليوم وهو الافتراق كما قال تعالى في آية أخرى وَامْتَازُواْ الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ فكأن هذه الحالة مترتبة على الإبلاس فكأنه أولاً يبلس ثم يميز ويجعل فريق في الجنة وفريق في السعير وأعاد قوله وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة ُ لأن قيام الساعة أمر هائل فكرره تأكيداً للتخويف ومنه اعتاد الخطباء تكرير يوم القيامة في الخطب لتذكير أهواله
فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى رَوْضَة ٍ يُحْبَرُونَ
ثم بين كيفية التفرق فقال تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى رَوْضَة ٍ يُحْبَرُونَ أي في جنة يسرون بكل مسرة
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِأايَاتِنَا وَلِقَآءِ الاَّخِرَة ِ فَأُوْلَائِكَ فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ
يعني لا غيبة لهم عنه ولا فتور له عندهم كما قال تعالى كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا وقال لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ ( آل عمران ٨٨ ) وفي الآيتين مسائل فيها لطائف
المسألة الأولى بدأ بذكر حال الذين آمنوا مع أن الموضع موضع ذكر المجرمين وذلك لأن المؤمن يوصل إليه الثواب قبل أن يوصل إلى الكافر العقاب حتى يرى ويتحقق أن المؤمن وصل إلى الثواب قبل أن يوصل إلى الكافر العقاب حتى يرى ويتحقق أن المؤمن وصل إلى الثواب فيكون أنكى ولو أدخل الكافر النار أولاً لكان يظن أن الكل في العذاب مشتركون فقدم ذلك زيادة في إيلامهم


الصفحة التالية
Icon