من قلبه على لسانه وإذا قال ظهر صدقه في مقاله من أحواله وأفعاله واللسان ترجمان الجنان والأركان برهان اللسان لكن الصلاة أفضل أعمال الأركان وهي مشتملة على الذكر باللسان والقصد بالجنان وهو تنزيه في التحقيق فإذا قال نزهوني وهذا نوع من أنواع التنزيه والأمر المطلق لا يختص بنوع دون نوع فيجب حمله على كل ما هو تنزيه فيكون أيضاً هذا أمراً بالصلاة ثم إن قولنا يناسب ما تقدم وذلك لأن الله تعالى لما بين أن المقام الأعلى والجزاء الأوفى لمن آمن وعمل الصالحات حيث قال فَأَمَّا الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى رَوْضَة ٍ يُحْبَرُونَ ( الروم ١٥ ) قال إذا علمتم أن ذلك المقام لمن آمن وعمل الصالحات والإيمان تنزيه بالجنان وتوحيد باللسان والعمل الصالح استعمال الأركان والكل تنزيهات وتحميدات فسبحان الله أي فأتوا بذلك الذي هو الموصل إلى الحبور في الرياض والحضور على الحياض
المسألة الثانية خص بعض الأوقات بالأمر بالتسبيح وذلك لأن أفضل الأعمال أدومها لكن أفضل الملائكة ملازمون للتسبيح على الدوام كما قال تعالى يُسَبّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ( الأنبياء ٢٠ ) والإنسان ما دام في الدنيا لا يمكنه أن يصرف جميع أوقاته إلى التسبيح لكونه محتاجاً إلى أكل وشرب وتحصيل مأكول ومشروب وملبوس ومركوب فأشار الله تعالى إلى أوقات إذا أتى العبد بتسبيح الله فيها يكون كأنه لم يفتر وهي الأول والآخر والوسط أول النهار وآخره ووسطه فأمر بالتسبيح في أول الليل ووسطه ولم يأمر بالتسبيح في آخر الليل لأن النوم فيه غالب والله منَّ على عباده بالاستراحة بالنوم كما قال وَمِنْ ءايَاتِهِ مَنَامُكُم بِالَّيْلِ ( الروم ٢٣ ) فإذا صلى في أول النهار تسبيحتين وهما ركعتان حسب له صرف ساعتين إلى التسبيح ثم إذا صلى أربع ركعات وقت الظهر حسب له صرف أربع ساعات أخر فصارت ست ساعات وإذا صلى أربعاً في أواخر النهار وهو العصر حسب له أربع أخرى فصارت عشر ساعات فإذا صلى المغرب والعشاء سبع ركعات أخر حصل له صرف سبع عشرة ساعة إلى التسبيح وبقي من الليل والنهار سبع ساعات وهي ما بين نصف الليل وثلثيه لأن ثلثيه ثمان ساعات ونصفه ست ساعات وما بينهما السبع وهذا القدر لو نام الإنسان فيه لكان كثيراً وإليه أشار تعالى بقوله قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ( المزمل ٢ ٤ ) وزيادة القليل على النصف هي ساعة فيصير سبع ساعات مصروفة إلى النوم والنائم مرفوع عنه القلم فيقول الله عبدي صرف جميع أوقات تكليفه في تسبيحي فلم يبق لكم أيها الملائكة عليهم المزية التي ادعيتم بقولكم نَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ ( البقرة ٣٠ ) على سبيل الانحصار بل هم مثلكم فمقامهم مثل مقامكم في أعلى عليين واعلم أن في وضع الصلاة في أوقاتها وعدد ركعاتها واختلاف هيئاتها حكمة بالغة أما في عدد الركعات فما تقدم من كون الإنسان يقظان في سبع عشرة ساعة ففرض عليه سبع عشرة ركعة وأما على مذهب أبي حنيفة حيث قال بوجوب الوتر ثلاث ركعات وهو أقرب للتقوى فنقول هو مأخوذ من أن الإنسان ينبغي أن يقلل نومه فلا ينام إلا ثلث الليل مأخوذاً من قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَى ِ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ويفهم من هذا أن قيام ثلثي الليل مستحسن مستحب مؤكد باستحباب ولهذا قال عقيبه عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ( المزمل ٢٠ ) ذكر بلفظ التوبة وإذا كان كذلك يكون الإنسان يقظان في عشرين ساعة فأمر بعشرين ركعة وأما النبي عليه السلام فلما كان من شأنه أن لا ينام أصلاً كما قال ( تنام عيناي ولا ينام قلبي ) جعل له كل الليل كالنهار فزيد له التهجد فأمر به وإلى هذا أشار تعالى في قوله وَمِنَ الَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ( الإنسان ٢٦ ) أي كل الليل لك


الصفحة التالية
Icon