( آل عمران ١٦٩ ) لكن الحيوان نام متحرك حساس لكن النائم لا يتحرك ولا يحس والأرض الميتة لا يكون فيها نماء ثم إن النائم بالانتباه يتحرك ويحس والأرض الميتة بعد موتها تنمو بنباتها فكما أن تحريك ذلك الساكن وإنماء هذا الواقف سهل على الله تعالى كذلك إحياء الميت سهل عليه وإلى هذا أشار بقوله وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ
وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ
لما أمر الله تعالى بالتسبيح عن الأسواء وذكر أن الحمد له على خلق جميع الأشياء وبين قدرته على الإماتة والإحياء بقوله فَسُبْحَانَ اللَّهِ إلى قوله وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ( الروم ١٦ ٢٠ ) ذكر ما هو حجة ظاهرة وآية باهرة على ذلك ومن جملتها خلق الإنسان من تراب وتقريره هو أن التراب أبعد الأشياء عن درجة الأحياء وذلك من حيث كيفيته فإنه بارد يابس والحياة بالحرارة والرطوبة ومن حيث لونه فإنه كدر والروح نير ومن حيث فعله فإنه ثقيل والأرواح التي بها الحياة خفيفة ومن حيث السكون فإنه بعيد عن الحركة والحيوان يتحرك يمنة ويسرة وإلى خلف وإلى قدام وإلى فوق وإلى أسفل وفي الجملة فالتراب أبعد من قبول الحياة عن سائر الأجسام لأن العناصر أبعد من المركبات لأن المركب بالتركيب أقرب درجة من الحيوان والعناصر أبعدها التراب لأن الماء فيه الصفاء والرطوبة والحركة وكلها على طبع الأرواح والنار أقرب لأنها كالحرارة الغريزية منضجة جامعة مفرقة ثم المركبات وأول مراتبها المعدن فإنه ممتزج وله مراتب أعلاها الذهب وهو قريب من أدنى مراتب النبات وهي مرتبة النبات الذي ينبت في الأرض ولا يبرز ولا يرتفع ثم النباتات وأعلى مراتبها وهي مرتبة الأشجار التي تقبل التعظيم ويكون لثمرها حب يؤخذ منه مثل تلك الشجرة كالبيضة من الدجاجة والدجاجة من البيضة قريبة من أدنى مراتب الحيوانات وهي مرتبة الحشرات التي ليس لها دم سائل ولا هي إلى المنافع الجليلة وسائل كالنباتات ثم الحيوان وأعلى مراتبها قريبة من مرتبة الإنسان فإن الأنعام ولا سيما الفرس تشبه العتال والحمال والساعي ثم الإنسان وأعلى مراتب الإنسان قريبة من مرتبة الملائكة المسبحين لله الحامدين له فالله الذي خلق من أبعد الأشياء عن مرتبة الأحياء حياً هو في أعلى المراتب لا يكون إلا منزهاً عن العجز والجهل ويكون له الحمد على إنعام الحياة ويكون له كمال القدرة ونفوذ الإرادة فيجوز منه الإبداء والإعادة وفي الآية لطيفتان إحداهما قوله إِذَا وهي للمفاجأة يقال خرجت فإذا أسد بالباب وهو إشارة إلى أن الله تعالى خلقه من تراب بكن فكان لا أنه صار معدناً ثم نباتاً ثم حيواناً ثم إنساناً وهذا إشارة إلى مسألة حكمية وهي أن الله تعالى يخلق أولاً إنساناً فينبهه أنه يحيي حيواناً ونامياً وغير ذلك لا أنه خلق أولاً حيواناً ثم يجعله إنساناً فخلق الأنواع هو المراد الأول ثم تكون الأنواع فيها الأجناس بتلك الإرادة الأولى فالله تعالى جعل المرتبة الأخيرة في الشيء البعيد عنها غاية من غير انتقال من مرتبة إلى مرتبة من المراتب التي ذكرناها اللطيفة الثانية قوله بُشّرَ إشارة إلى القوة المدركة لأن البشر بشر لا بحركته فإن غيره من الحيوانات أيضاً كذلك وقوله تَنتَشِرُونَ إلى القوة المحركة وكلاهما من التراب عجيب أما الإدراك فلكثافته وجموده وأما الحركة فلثقله وخموده وقوله تَنتَشِرُونَ إشارة إلى أن العجيبة غير مختص


الصفحة التالية
Icon