من السموات وما يرسل منها من الملائكة والأرض وما يرسل فيها من الرياع شرع في دلائل الأنفس وقد ذكرنا تفسيره مراراً وذكرنا ما قيل من أن قوله مّن تُرَابٍ إشارة إلى خلق آدم ثُمَّ مِن نُّطْفَة ٍ إشارة إلى خلق أولاده وبينا أن الكلام غير محتاج إلى هذا التأويل بل خَلَقَكُمْ خطاب مع الناس وهم أولاد آدم كلهم من تراب ومن نطفة لأن كلهم من نطفة والنطفة من غذاء والغذاء بالآخرة ينتهي إلى الماء والتراب فهو من تراب صار نطفة
وقوله وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إشارة إلى كمال العمل فإن ما في الأرحام قبل الانخلاق بل بعده ما دام في البطن لا يعلم حاله أحد كيف والأم الحاملة لا تعلم منه شيئاً فلما ذكر بقوله خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ كمال قدرته بين بقوله وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ كمال علمه ثم بين نفوذ إرادته بقوله وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِى كِتَابٍ فبين أنه هو القادر العالم المريد والأصنام لا قدرة لها ولا علم ولا إرادة فكيف يستحق شيء منها العبادة وقوله إِنَّ ذالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي الخلق من التراب ويحتمل أن يكون المراد التعمير والنقصان على الله يسير ويحتمل أن يكون المراد أن العلم بحا تحمله الأثنى يسير والكل على الله يسير والأول أشبه فإن اليسير استعماله في الفعل أليق
وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ هَاذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَاذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَة ً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
ثم قال تعالى وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ هَاذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَاذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَة ً تَلْبَسُونَهَا
قال أكثر المفسرين إن المراد من الآية ضرب المثل في حق الكفر والإيمان أو الكافر والمؤمن فالإيمان لا يشتبه بالكفر في الحسن والنفع كما لا يشتبه البحران العذب الفرات والملح الأجاج ثم على هذا فقوله وَمِن كُلّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً لبيان أن حال الكافر والمؤمن أو الكفر والإيمان دون حال البحرين لأن الأجاج يشارك الفرات في خير ونفع إذا اللحم الطري يوجد فيهما والحلية توجد منهما والفلك تجري فهيما ولا نفع في الكفر والكافر وهذا على نسق قوله تعالى أُوْلَئِكَ كَالانْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ وقوله كَالْحِجَارَة ِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَة ً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَة ِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الانْهَارُ والأظهر أن المراد منه ذكر دليل آخر على قدر الله وذلك من حيث إن البحرين يستويان في الصورة ويختلفان في الماء فإن أحدهما عذب فرات والآخر ملح أجاج ولو كان ذلك بإيجاب لما اختلف المستويان ثم إنهما بعد اختلافهما يوجد منهما أمور متشابهة فإن اللحم الطريق يوجد فيهما واللحية تؤخذ منهما ومن يوجد في المتشابهين اختلافاً ومن المختلفين اشتباهاً لا يكون إلا قادراً مختاراً وقوله وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ إشارة إلى أن عدم استوائهما دليل على كمال قدرته ونفوذ إرادته وفي الآية مسائل


الصفحة التالية
Icon