وهو تزيين السماء الدنيا بهذه الكواكب فلقائل أن يقول إنه ثبت في علم الهيئة أن هذه الثوابت مركوزة في الكرة الثامنة وأن السيارات الستة مركوزة في الكرات الست المحيطة بسماء الدنيا فكيف يصح قوله إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَة ٍ الْكَواكِبِ والجواب أن الناس الساكنين على سطح كرة الأرض إذا نظروا إلى السماء فإنهم يشاهدونها مزينة بهذه الكواكب وعلى أنا قد بينا في علم الهيئة أن الفلاسفة لم يتم لهم دليل في بيان أن هذه الكواكب مركوزة في الفلك الثامن ولعلنا شرحنا هذا الكلام في تفسير سورة تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ ( الملك ١ ) في تفسير قوله تعالى وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ( الملك ٥ ) وأما المطلوب ال ثاني وهو كون هذه الكواكب زينة السماء الدنيا ففيه بحثان
البحث الأول أن الزينة مصدر كالنسبة واسم لما يزن به كالليقة اسم لما تلاق به الدواة قال صاحب الكشاف وقوله بِزِينَة ٍ الْكَواكِبِ يحتملهما فإن أردت المصدر فعلى إضافته إلى الفاعل أي بأن زينتها الكواكب أو على إضافته إلى المفعول أي بأن زان الله الكواكب وحسنها لأنا إنما زينت السماء بحسنها في أنفسها وإن أردت الاسم فللإضافة وجهان أن تقع الكواكب بياناً للزينة لأن الزينة قد تحصل بالكواكب وبغيرها وأن يراد ما زينت به الكواكب
البحث الثاني في بيان كيفية كون الكواكب زينة للسماء وجوه الأول أن النور والضوء أحسن الصفات وأكملها فإن تحصل هذه الكواكب المشرقة المضيئة في سطح الفلك لا جرم بقي الضوء والنور في جرم الفلك بسبب حصول هذه الكواكب فيها قال ابن عباس بِزِينَة ٍ الْكَواكِبِ أي بضوء الكواكب الوجه الثاني يجوز أن يراد أشكالها المتناسبة المختلفة كشكل الجوزاء وبنات نعش والثريا وغيرها الوجه الثالث يجوز أن يكون المراد بهذه الزينة كيفية طلوعها وغروبها الوجه الرابع أن الإنسان إذا نظر في الليلة الظلماء إلى سطح الفلك ورأى هذه الجواهر الزواهر مشرقة لامعة متلألئة على ذلك السطح الأزرق فلا شك أنها أحسن الأشياء وأكملها في التركيب والجوهر وكل ذلك يفيد كون هذه الكواكب زينة وأما المطلوب الثالث وهو قوله وَحِفْظاً مّن كُلّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ففيه بحثان
البحث الأول فيما يتعلق باللغة فقوله وَحِفْظاً أي وحظناها قال المبرد إذا ذكرت فعلاً ثم عطفت عليه مصدر فعل آخر نصبت المصدر لأنه قد دل على فعله مثل قولك أفعل وكرامة لأنه لما قال أفعل علم أن الأسماء لا تعطف على الأفعال فكان المعنى أفعل ذلك وأكرمك كرامة قال ابن عباس يريد حفظ السماء بالكواكب و مّن كُلّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ يريد الذي تمرد على الله قيل إنه الذي لا يتمكن منه وأصله من الملاسة ومنه قوله صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ ( النمل ٤٤ ) ومنه الأمرد وذكرنا تفسير المارد عند قوله مَرَدُواْ عَلَى النّفَاقِ ( التوبة ١٠١ )
البحث الثاني فيما يتعلق بالمباحث العقلية في هذا الموضع فنقول الاستقصاء فيه مذكور في قوله تعالى وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لّلشَّيَاطِينِ ( الملك ٥ ) قال المفسرون الشياطين كانوا يصعدون إلى قرب السماء فربما سمعوا كلام الملائكة وعرفوا به ما سيكون من الغيوب وكانوا يخبرونهم به ويوهمونهم أنهم يعلمون الغيب فمنعهم الله تعالى من الصعود إلى قرب السماء بهذه الشهب فإنه تعالى يرميهم بها فيحرقهم بها وبقي ههنا سؤالات


الصفحة التالية
Icon