أقررتم بحدوث العالم واعترفتم بأن السموات والأرض وما بينهما إنما حصل بتخليق الله تعالى وتكوينه فة بد وأن تعترفوا بأن الإنسان الأول إنما حدث لا من الأبوين فإذا عقلتم ذلك واعترفتم به فقد سقط قولكم الإنسان كيف يحدث من غير النطفة ومن غير الأبوين وأيضاً قد اشتهر عند الجمهور أن آدم مخلوق من الطين اللازب ومن قدر على خلق الحياة في الطين اللازب فكيف يعجز عن إعادة الحياة إلى هذه الذوات وأما كيفية خلق الإنسان من الطين اللازب فهي مذكورة في السورة المتقدمة واعلم أن هذا الوجه أنما يحسن إذا قلنا المراد من قوله تعالى إِنَّا خَلَقْنَاهُم مّن طِينٍ لاَّزِبٍ هو أنا خلقنا أباهم آدم من طين لازب وفيه وجوه أخر وهو أن يكون المراد أنا خلقنا كل إنسان من طين لازب وتقريره أن الحيوان إنما يتولد من المني ودم الطمث والمني يتولد من الدم فالحيوان إنما يتولد من الدم والدم إنما يتولد من الغذاء والغذاء إما حيواني وإما نباتي أما تولد الحيوان الذي صار غذاء فالكلام في كيفية تولده كالكلام في تولد الإنسان فثبت أن الأصل في الأغذية هو النبات والنبات إنما يتولد من امتزاج الأرض بالماء وهو الطين اللازب وإذا كان الأمر كذلك فقد ظهر أن كل الخلق متولدون من الطين اللازب وإذا ثبت هذا فنقول إن هذه الأجزاء التي منها تركب هذا الطين اللازب قابلة للحياة والله تعالى قادر عليها وهذه القابلية والقادرية واجبة البقاء فوجب بقاء هذه الصحة في كل الأوقات وهذه بيانات ظاهرة واضحة وأما اللازب فقل اللاصق وقيل اللزج وقيل الحتد وأكثر أهل اللغة على أن الباء في لازب بدل من الميم يقال لازب ولازم ثم قال تعالى
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ
وفيه مسائل
المسألة الأولى تقرير الكلام أن يقال إن هؤلاء المنكرين أقروا بأنه تعالى قادر على تكوين أشياء أصعب من إعادة الحياة إلى هذه الأجساد وقد تقرر في صرائح العقول أن القادر على الأشق الأشد يكون قادراً على اوسهل اويسر ثم مع قيام هذه الحجة البديهية بقي هؤلاء الأقوام مصرين على إنكار البعث والقيامة وهذا في موضع التعجب الشديد فإن مع ظهور هذه الحجة الجلية الظاهرة كيف يعقل بقاء القوم على الإصرار فيه فأنت يا محم تتعجب من إصرارهم على الإنكار وهم في طرف الإنكار وصلوا إلى حيث يستخرون منك في قولك بإثبات الحشر والنشر والبعث والقيامة فهذا هو المراد من قوله بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ
المسألة الثانية قرأ حمزة والكسائي عَجِبْتَ بضم التاء والباقون بفتحها قال الواحدي والضم قراءة ابن عباس وابن مسعود وإبراهيم ويحيى بن وثاب والأعمش وقراءة أهل الكوفة واختيار أبي عبيدة أما الذين قرأوا بالفتح فقد احتجوا بوجوه الأول أن القراءة بالضم تدل على إسناد العجب إلى الله تعالى وذلك محال لأن التعجب حالة تحصل عند الجهل بصفة الشيء ومعلوم أن الجهل على الله محال والثاني أن الله تعالى أضاف التعجب إلى محمد ( ﷺ ) في آية أخرى في هذه المسألة فقال دوإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا تراباً ( الرعد ٥ ) والثالث أنه تعالى قال ( الرعد ٥ ) والثالث أنه تعالى قال بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ والظاهر أنهم سخروا لأجل


الصفحة التالية
Icon