بإذن الله تعالى اللفظ الارابع من الألفاظ المذكورة في هذه الآية قوله تعالى فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ فيحتمل أن يكون المراد ينظرون ما يحدث بهم ويحتمل ينظر بعضهم إلى بعض وأن يكون المراد ينظرون إلى البعث الذي كذبوا به الحالة الثانية من وقائع القيامة ما أخبر الله عنهم أنهم بعد القيام من القبور قالوا وَقَالُواْ ياوَيْلَنَا هَاذَا يَوْمُ الدّينِ قال الزجاج الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة والمقصود أنهم لما شاهدوا القيامة قالوا هَاذَا يَوْمُ الدّينِ أي يوم الجزاء هذا والمقصود أن الله تعالى ذكر في آيات كثيرة من القرآن أنا نرى في الدنيا محسناً ومسيئاً وعاصياً وصديقاً وزنديقاً ورأينا أنه لم يصل إليهم في الدنيا ما يليق بهم من الجزاء فوجب القول بإثبات القيامة لِيَجْزِى َ الَّذِينَ أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى ( النجم ٣١ ) وبالجملة فهذا يدل على أن الجزاء إنما يحصل بعد الموت والكفار وإن سمعوا هذا الدليل القوي لكنهم أنكروا وتمردوا ثم إنه تعالى إذا أحياهم يوم القيامة فإذا شاهدوا القيامة يذكرون ذلك اليوم ويقولون هَاذَا يَوْمُ الدّينِ أي يوم الجزاء الذي ذكر الله الدلائل الكثيرة عليه في القرآن فكفرنا بها ونظيره أن من خوف بشيء ولم يتلفت إليه ثم عاينه بعد ذلك فقد يقول هذا يوم الواقعة الفلانية فكذا ههنا وفيه احتمال آخر وهو أنه تعالى قال في سورة الفاتحة مَالِكَ يَوْمِ الدّينِ ( الفاتحة ٤ ) فبين أنه لا مالك في ذلك اليوم إلا الله فقولهم هذا يوم الدين إشارة إلى أن هذا هو اليوم الذي لا حكم فيه لأحد إلا لله وإنما ذكروه لما حصل في قلوبهم من الخوف الشديد
أما قوله تعالى هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِى كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ ففيه بحثان
الأول اختلفوا في أن هذا هو من بقية كلام الكفار أو يقال تم كلامهم عند قوله تعالى هَاذَا يَوْمُ الدّينِ وأما قوله هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ فهو كلام غيرهم فبعضهم قال بالأول وزعم أن قوله هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الآية من كلام بعضهم لبعض والأكثرون على القول الثاني واحتجوا بوجهين الأول أن قوله كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ من كلام بعضهم لبعض خطاب مع جميع الكفار فقائل هذا القول لا بد وأن يكون غير الكفار الثاني أن قوله داحشروا الذين ظلموا وأزواجهم ( الصافات ٢٢ ) منسوق على قوله ( الصافات ٢٢ ) منسوق على قوله هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِى كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ فلما كان قوله داحشروا الذين ظلموا كلام غير الكفار فكذلك قوله كلام غير الكفار فكذلك قوله هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِى كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ يجب أن يكون كلام غير الكفار وعلى هذا التقدير فقوله هَاذَا يَوْمُ الدّينِ من كلام الكفار وقوله هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ من كلام الملائكة جواباً لهم والوجه في كونه جواباً لهم أن أولئك الكفار إنما اعتقدوا في أنفسهم كونهم محقين في إنكار دعوة الأنبياء عليهم السلام وكونهم محقين في تلك اوديان الفاسدة فقالوا هَاذَا يَوْمُ الدّينِ أي هذا اليوم الذي يصل فيه إلينا جزاء طاعتنا وخيراتن فالملائكة يقولون لهم إنه لا اعتبار بظواهر الأمور في هذا اليوم فإن هذا اليوم يفصل فيه الجزاء الحقيقي عن الجزاء الظاهري وتميز فيه الطاعات الحقيقية عن الطاعات المقرونة بالرياء والسمعة فبهذا الطريق صار هذا الكلام من الملائكة جواباً لما ذكره الكفار


الصفحة التالية
Icon