الأوثان والمراد بالحجارة الأصنام التي هي أحجار منحوتة فإن قيل إن تلك الأحجار جمادات فما الفائدة في حشرها إلى جهنم أجاب القاضي بأنه ورد الخبر بأنها تعاد وتحيا لتحصل المبالغة في توبيخ الكفار الذين كانوا يعبدونها ولقائل أن يقول هب أن الله تعالى يحيي تلك الأصنام إلا أنه لم يصدر عنها ذنب فكيف يجوز من الله تعالى تعذيبها واوقرب أن يقال إن الله تعالى لا يحيي تلك الأصنام بل يتركها على الجمادية ثم يلقيها في جهنم لأن ذلك مما يزيد في تخجيل الكفار القول الثاني أن المراد من قولهه وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ الشياطين الذين دعوهم إلى عبادة ما عبدوا فلما قبلوا منهم ذلك الدين صاروا كالعابدين لأولئك الشياطين وتأكد هذا بقوله تعالى أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى وَإِذْ أَخَذَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ( يس ٦٠ ) والقول الأول أولى لأن الشياطين عقلاء وكلمة ما لا تليق بالعقلاء والله أعلم
ثم قال اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِراطِ الْجَحِيمِ قال ابن عباس دلوهم يقال هديت الرجل إذا دللته وإنما استعملت الهداية ههنا لأنه جعل بدل الهداية إلى الجنة كما قال فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( آل عمران ٢١ ) فوقعت البشارة بالعذاب لهؤلاء بدل البشارة بالنعيم لأولئك وعن ابن عباس فَاهْدُوهُمْ وَقَالُواْ ياوَيْلَنَا هَاذَا يَوْمُ الدّينِ هَاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِى كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ احْشُرُواْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْواجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِراطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ يقال وقفت الدابة اقفها وقفاً فوقفت هي وقوفاً والمعنى احبسوهم وفي الآية قولان أحدهما على التقديم والتأخير والمعنى قفوهم واهدوهم والأصوب أنه لا حاجة إليه بل كأنه قيل فاهدوهم إلى صراط الجحيم فإذا انتهوا إلى الصراط قيل وَقِفُوهُمْ فإن السؤال يقع هنللهك وقوله أَنَّهُمْ قيل عن أعمالهم في الدنيا وأقوالهم وقيل المراد سألتهم الخزنة أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ قَالُواْ بَلَى وَلَاكِنْ حَقَّتْ كَلِمَة ُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ( الزمر ٧١ ) ويجوز أن يكون هذا السؤال ما ذكر بعد ذلك وهو قوله تعالى مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ أي أنهم يسألون توبيخاً لهم فيقال مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ قال ابن عباس رضي الله عنهما لا ينصر بعضكم بعضاً كما كنتم في الدنيا وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر نحن جميع منتصر فقيل لهم يوم القيامة ما لكم غير متناصرين وقيل يقال لكفار ما لشركائكم لا يمنعونكم من العذاب
ثم قال تعالى بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ يقال استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع ومعناه في الأصل طلب السلامة بترك المنازعة والمقصود أنهم صاروا منقادين لا حيلة لهم في دفع تلك المضار لا العابد ولا المعبود
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
ثم قال تعالى وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ قيل هم والشياطين وقيل الرؤساء والأتباع يَتَسَاءلُونَ أي يسأل بعضهم بعضاً وهذا التساؤل عبارة عن التخاصم وهو سؤال التبكيت يقولون غررتمونا ويقول أولئك لم قبلتم منا وبالجملة فليس ذلك تساؤل المستفهمين بل هو تساؤل التوبيخ واللوم والله أعلم
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِى الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَءِنَّا لَتَارِكُو ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ بَلْ جَآءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو الْعَذَابَ الاٌّ لِيمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ


الصفحة التالية
Icon