والمعنى أن الله تعالى لما إخبر عن وقوعنا في العذاب فلو لم يحصل وقوعنا في العذاب لما كان خبر الله حقاً بل كان باطلاً ولما كان خبر الله أمراً واجباً لا جرم كان الوقوع في العذاب الأليم لازماً قال مقاتل قوله تعالى فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبّنَا إشارة إلى قول الله لإبليس لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ( ص ٨٥ ) وقوله تعالى إِنَّا لَذَائِقُونَ يعني لما وجب أن يحق علينا قول ربنا وجب أن نكون ذائقين لهذا العذاب الخامس قولهم فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ والمعنى أنا إنما أقدمنا على إغوائكم لأنا كنا موصوفين في أنفسنا بالغواية وفيه دقيقة أخرى كأنهم قالوا إن اعتقدتم أن غوايتكم بسبب إغوائنا فغوايتنا إن كانت بسبب إغواء غاوٍ آخر ولزم التسلسل وذلك محال فعلمنا أن حصول الغواية والرشاد ليس من قبلنا بل من قبل غيرنا وذلك الغير هو الذي ذكره فيما قبل وهو قوله فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبّنَا ولما حكى الله تعالى كلام الأتباع للرؤساء وكلام الرؤساء للأتباع قال بعده فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِى الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ يعني فالمتبوع والتابع والمخدوم والخادم مشتركون في الوقوع في العذاب كما كانوا في الدنيا مشتركين في الغواية ثم قال أيضاً إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وعني بالمجرمين ههنا الكفار بدليل أنه تعالى قال بعد هذه الكلمة إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ والضمير في قوله أَنَّهُمْ عائد إلى المذكور السابق وهو قوله بِالْمُجْرِمِينَ وهذا يدل على أن لفظ المجرم المطلق مختص في القرآن بالكافر ثم بين تعالى أنهم إنما وقعوا في ذلك العذاب لأنهم كانوا مكذبين بالتوحيد وبالنبوة أما التكذيب بالتوحيد فهو قوله تعالى إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ يعني ينكرون ويتعصبون لإثبات الشرك ويستنكفون عن الإقرار بالتوحيد وأما التكذيب بالنبوة فهو قولهم لَتَارِكُو ءالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ بَلْ ويعنون محمداً ثم إنه تعالى كذبهم في ذلك الكلام فقال بَلْ جَاء بِالْحَقّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلُونَ وتقرير هذا الكلام أنه جاء بالدين الحق لأنه ثبت بالعقل أنه تعالى منزه عن الضد والند والشريك فلما جاء محمد ( ﷺ ) بتقرير هذه المعاني كان مجيئه بالدين الحق قرأ ابن كثير أَيُّنَا بَعْضُ ءالِهَتِنَا بهمزة وياء بعدها خفيفية ساكنة بلا مد وقرأ نافع في رواية قالون وأبو عمرو على هذا التفسير يمدان والباقون بهمزتين بلا مد وقوله تعالى وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ يعني صدقهم في مجيئهم بالتوحيد ونفي الشريك وهذا تنبيه على أن القول بالتوحيد دين لكل الأنبياء ولما حكى الله عنهم تكذيبهم بالتوحيد والنبوة نقل الكلام من الغيبة إلى الحضور فقال إِنَّكُمْ لَذَائِقُونَ الْعَذَابَ الاْلِيمَ كأنه قيل فكيف يليق بالرحيم الكريم المتعالي عن النفع والضر أن يعذب عباده فأجاب عنه بقوله وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ والمعنى أن الحكم يقتضي الأمر بالحسن والطاعة والنهي عن القبيح والمعصية والأمر والنهي لا يكمل المقصود منهما إلا بالترغيب في لثواب والترهيب بالعقاب وإذا وقع الإخبار عنه وجب تحقيقه صوناً للكلام عن الكذب فلهذا السبب وقعوا في العذاب ثم قال إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ يعني ولكن عباد الله ( المخلصين ناجون وهو ) من الاستثناء المنقطع
أُوْلَائِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ فِى جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ بَيْضَآءَ لَذَّة ٍ لِّلشَّارِبِينَ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ


الصفحة التالية
Icon