بطونهم فيعظم عشطهم ثم إنهم لا يسقون إلا بعد مدة مديدة والغرض تكميل التعذيب والثاني أنه تعالى ذكر الطعام بتلك البشاعة والكراهة ثم وصف الشراب بما هو أبشع منه فكان المقصود من كلمة ثم بيان أن حال المشروب في البشاعة أعظم من حال المأكول ثم قال تعالى ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ قال مقاتل أي بعد أكل الزقوم وشرب الحميم وهذا يدل على أنهم عند شرب الحميم لم يكونوا في الجحيم وذلك بأن يكون الحميم من موضع خارج عن الجحيم فهم يوردون الحميم لأجل الشرب كما تورد الإبل إلى الماء ثم يوردون إلى الجحيم فهذا قول مقاتل واحتج على صحته بقوله تعالى هَاذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِى يُكَذّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ ( الرحمن ٤٣ ٤٤ ) وذلك يدل على صحة ما ذكرناه ثم إنه تعالى لما وصف عذابهم في أكلهم وشربهم قال إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ءابَاءهُمْ ضَالّينَ فَهُمْ عَلَى ءاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ قال الفراء الإهراع الإسراع يقال هرع وأهرع إذا استحث والمعنى أنهم يتبعون آباءهم ابتاعاً في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم والمقصود من الآية أنه تعالى علل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد كلها بتقليد الآباء في الدين وترك ابتاع الدليل ولو لم يوجد في القرآن آية غير هذه الآية في ذم التقليد لكفي
ثم إنه تعالى ذكر لرسوله ما يوجب التسلية له في كفرهم وتكذيبهم فقال وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الاْوَّلِينَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ فبين تعالى أن إرساله للرسل قد تقدم والتكذيب لهم قد سلف ويجب أن يكون له ( ﷺ ) أسوة بهم حتى يصبر كما صبروا ويستمر على الدعاء إلى الله وإن تمردوا فليس عليه إلا البلاغ
ثم قال تعالى فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة ُ الْمُنْذَرِينَ وهذا وإن كان في الظاهر خطاباً مع الرسول ( ﷺ ) إلا أن المقصود منه خطاب الكفار لأنهم سمعوا بالأخبار جميع ما جرى من أنواع العذاب على قوم نوح وعلى عاد وثمود وغيرهم فإن لم يعلموا ذلك فلا أقل من ظن وخوف يصلح أن يكون زاجراً لهم عن كفرهم وقوله تعالى إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فيه قولان أحدهما أنه استثناء من قوله وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الاْوَّلِينَ والثاني أنه استثناء من قوله كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة ُ الْمُنْذَرِينَ ( يونس ٧٣ ) فإنها كانت أقبح العواقب وأفظعها إلا عاقبة عباد الله المخلصين فإنها كانت مقرونة بالخير والراحة
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاٌّ خِرِينَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِى الْعَالَمِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الاٌّ خَرِينَ


الصفحة التالية
Icon