( الأنبياء ٥١ ) مع أنه تعالى قال اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ( الأنعام ١٢٤ ) وقال وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ( الأنعام ٧٥ ) فإن قيل ما معنى المجيءي بقلبه ربه قلنا معناه أنه أخلص لله قلبه فكأنه أتحف حضرة الله بذلك القلب ورأيت في التوراة أن الله قال لموسى أجب إلهك بكل قلبك
واعلم أنه تعالى لما ذكر أن إبراهيم جاء ربه بقلب سليم ذكر أن من جملة آثار تلك السلامة أن دعا أباه وقومه إلى التوحيد فقال إِذْ قَالَ لاِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ والمقصود من هذا الكلام تهجين تلك الطريقة وتقبيحها
ثم قال ءالِهَة ً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا قال صاحب ( الكشاف ) أئفكا مفعول له تقديره أتريدون آلهة من دونه إفكاً وإنما قدم المفعول على الفعل للعناية وقدم المفعول له على المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يقرر عندهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم ويجوز أن يكون إفكاً مفعولاً به يعني أتريدون إفكاً ثم فسر الإفك بقوله دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ على أنها إفك في أنفسها ويجوز أن يكون حالاً بمعنى تريدون آلها من دون الله آفكين
ثم قال فَمَا ظَنُّكُم بِرَبّ الْعَالَمِينَ وفيه وجهان أحدهما أتظنون برب العالمين أنه يجوز جعل هذه الجمادات مشاركة له في المعبودية وثانيها أتظنون برب العالمين أنه من جنس هذه الأجسام حتى جعلتموها مساوية له في المعبودية فنبههم بذلك على أنه ليس كمثله شيء
ثم قال فَنَظَرَ نَظْرَة ً فِى النُّجُومِ فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ عن ابن عباس أنهم كانوا يتعاطون علم النجوم فعاملهم على مقتضى عادتهم وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة وكان لهم من الغد يوم عيد يخرجون إليه فأراد أن يتخلف عنهم ليبقى خالياً في بيت الأصنام فيقدر على كسرها وههنا سؤالان الأول أن النظر في علم النجوم غير جائز فكيف أقدم عليه إبراهيم والثاني أنه عليه السلام ما كان سقيماً فلما قال إني سقيم كان ذلك ذباً واعلم أن العلماء ذكروا في الجواب عنهما وجوهاً كثيرة الأول أنه نظر نظرة في النجوم في أوقات الليل والنهار وكانت تأتيه سقامة كالحمى في بعض ساعات الليل والنهار فنظر ليعرف هل هي في تلك الساعة وقال إِنّى سَقِيمٌ فجعله عذراً في تخلفه عن العيد الذي لهم وكان صادقاً فيما قال لأن السقم كان يأتيه في ذلك الوقت وإنما تخلف لأجل تكسير أصنامهم الوجه الثاني في الجواب أن قوم إبراهيم عليه السلام كانوا أصحاب النجوم يعظمونها ويقضون بها على غائب الأمور فلذلك نظر إبراهيم في النجوم أي في علوم النجوم وفي معانيه لا أنه نظر بعينه إليها وهو كما يقال فلان نظر في الفقه وفي النحو وإنما أراد أن يوهمهم أنه يعلم ما يعلمون ويتعرف من حيث يتعرفون حتى إذا قال إِنّى سَقِيمٌ سكنوا إلى قوله
أما قوله إِنّى سَقِيمٌ فمعناه سأسقم كقوله إِنَّكَ مَيّتٌ ( الزمر ٣٠ ) أي ستموت الوجه الثالث أن قوله فَنَظَرَ نَظْرَة ً فِى النُّجُومِ هو قوله تعالى فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً ( الأنعام ٧٦ ) إلى آخر الآيات وكان ذلك النظر لأجل أن يتعرف أحوال هذه الكواكب هل هي قديمة أو محدثة وقوله إِنّى سَقِيمٌ يعني


الصفحة التالية
Icon