به ثم أن يكون معلوماً عند السامع حتى يقول له أيها السامع الأمر الذي تعرفه أنت فيه المعنى الفلاني كقول القائل زيد قائم أو قام أي زيد الذي تعرفه ثبت له قيام لا علم عندك به فإن كان الخبر معلوماً عند السامع والمبتدأ كذلك ويقع الخبر تنبيهاً لا تفهيماً يحسن تعريف الخبر غاية الحسن كقول القائل الله ربنا ومحمد نبينا حيث عرف كون الله رباً وكون محمد نبياً وههنا لما كان كون الناس فقراء أمراً ظاهراً لا يخفى على أحد قال أَنتُمُ الْفُقَرَاء
المسألة الثانية قوله إِلاَّ اللَّهُ إعلام بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه وهذا يوجب عبادته لكونه مفتقراً إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره ثم قال وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِى ُّ أي هو مع استغنائه يدعوكم كل الدعاء وأنتم من احتياجكم لا تجيبونه ولا تدعونه فيجيبكم
المسألة الثالثة في قوله الْحَمِيدِ لما زاد في الخبر الأول وهو قوله أَنتُمُ الْفُقَرَاء زيادة وهو قوله إِلَى اللَّهِ إشارة لوجوب حصر العبادة في عبادته زاد في وصفه بالغني زيادة وهو كونه حميداً إشارة إلى كونكم فقراء وفي مقابلته الله غنى وفقركم إليه في مقابلة نعمه عليكم لكونه حميداً واجب الشكر فلستم أنتم فقراء والله مثلكم في الفقر بل هو غني على الإطلاق ولستم أنتم لما افتقرتم إليه ترككم غير مقضي الحاجات بل قضى في الدنيا حوائجكم وإن آمنتم يقضي في الآخرة حوائجكم فهو حميد
إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
ثم قال تعالى إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ بياناً لغناه وفيه بلاغة كاملة وبيانها أنه تعالى قال إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أي ليس إذهابكم موقوفاً إلا على مشيئته بخلاف الشيء المحتاج إليه فإن المحتاج لا يقول فيه إن يشأ فلان هدم داره وأعدم عقاره وإنما يقول لولا حاجة السكنى إلى الدار لبعتها أو لولا الافتقار إلى العقار لتركتها ثم إنه تعالى زاد بيان الاستغناء بقوله وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ يعني إن كان يتوهم متوهم أن هذا الملك له كمال وعظمة فلو أذهبه لزال ملكه وعظمته فهو قادر بأن يخلق خلقاً جديداً أحسن من هذا وأجمل وأتم وأكمل
وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ
ثم قال تعالى وَمَا ذالِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أي الإذهاب والإتيان وههنا مسألة وهي أن لفظ العزيز استعمله الله تعالى تارة في القائم بنفسه حيث قال في حق نفسه وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً وقال في هذه السورة إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ واستعمله في القائم بغيره حيث قال وَمَا ذالِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ وقال عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ فهل هما بمعنى واحد أم بمعنيين فنقول العزيز هو الغالب في اللغة يقال من عزيز أي من غلب سلب فالله عزيز أي غالب والفعل إذا كان لا يطيقه شخص يقال هو مغلوب بالنسبة إلى ذلك الفعل فقوله وَمَا ذالِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أي لا يغلب الله ذلك الفعل بل هو هين على الله وقوله عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ أي يحزنه ويؤذيه كالشغل الغالب
وَلاَ تَزِرُ وَازِرَة ٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَة ٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَى ْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُواْ الصَّلَواة َ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ
وقوله تعالى وَلاَ تَزِرُ وَازِرَة ٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَة ٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَى ْء وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى


الصفحة التالية
Icon