المسألة الرابعة قوله تعالى إِنّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبّى يدل على فساد تمسك المشبهة بقوله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيّبُ ( فاطر ١٠ ) لأن كلمة إلى موجودة في قوله إِنّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبّى مع أنه لم يلزم أن يكون الإله موجوداً في ذلك المكان فكذلك ههنا
واعلم أنه صلوات الله عليه لما هاجر إلى الأرض المقدسة أراد الولد فقال هَبْ لِى مِنَ الصَّالِحِينِ أي هب لي بعض الصالحين يريد الولد لأن لفظ الهبة غلب في الولد وإن كان قد جاء في الأخ في قوله تعالى وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً ( مريم ٥٣ ) وقال تعالى وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ( الأنبياء ٧٢ ) وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ( الأنبياء ٩٠ ) وقال علي بن أبي طالب لابن عباس رضي الله عنهم حين هنأه بولده على أبي الأملاك شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب ولذلك وقعت التسمية بهبة الله تعالى وبهبهة الوهاب وبموهوب ووهب
واعلم أن هذا الدعاء اشتمل على ثلاثة أشياء على أن الولد غلام ذكر وأنه يبلغ الحلم وأنه يكون حليماً وأي حلم يكون أعظم من ولد حين عرض عليه أبوه الذبح قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مّنَ الصَّابِرِينَ ( الصافات ١٠٢ ) ثم استسلم لذلك وأيضاً فإن إبراهيم عليه السلام كان موصوفاً بالحلم قال تعالى إِنَّ إِبْراهِيمَ لاوَّاهٌ حَلِيمٌ ( التوبة ١١٤ ) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ( هود ٧٥ ) فبين أن ولده موصوف بالحلم وأنه قائم مقامه في صفات الشرف والفضيلة واعلم أن الصلاح أفضل الصفات بدليل أن الخليل عليه السلام طلب الصلاح لنفسه فقال رَبّ هَبْ لِى حُكْماً وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ ( الشعراء ٨٣ ) وطلبه للولد فقال رَبّ هَبْ لِى مِنَ الصَّالِحِينِ وطلبه سليمان عليه السلام بعد كمال درجته في الدين والدنيا فقال وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ( النمل ١٩ ) وذلك يدل على أن الصلاح أشرف مقامات العباد
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْى َ قَالَ يابُنَى َّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ ياأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَاذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاٌّ خِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ


الصفحة التالية
Icon