أولى بالمعصية من نبي الله ثم عادوا ثانياً وثالثاً يقترعون فيخرج سهم يونس فقال يا هؤلاء أنا العاصي وتلفف في كساء ورمي بنفسه فاتبلغته السمكة فأوحي الله تعالى إلى الحوت ( لا تكسر منه عظماً ولا تقطع له وصلاً ) ثم إن السمكة أخرجته إلى نيل مصر ثم إلى بحر فارس ثم إلى بحر البطائح ثم دجلة فصعدت به ورمته بأرض نصيبين بالعراء وهو كالفرخ المنتوف لا شعر ولا لحم فأنبت الله عليه شجرة من يقطين فكان يستظل بها ويأكل من ثمرها حتى تشدد ثم إن الأرض أكلتها فخرت من أصلها فحزن يونس لذلك حزناً شديداً فقال يا رب كنت أستظل تحت هذه الشجرة من الشمس والريح وأمص من ثمرها وقد سقطت فقيل له يا يونس تحزن على شجرة أنبتت في ساعة واقتلعت في ساعة ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون تركتهما انطلق إليهم والله أعلم بحقيقة الواقعة
ثم قال تعالى فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ يقال القمة والتهمة والكل بمعنى واحد وقوله تعالى وَهُوَ مُلِيمٌ يقال ألام إذا أتى بما يلام عليه فالمليم المستحق للوم الآتي بما يلام عليه
ثم قال تعالى فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وفي تفسير كونه من المسبحين قولان الأول أن المراد منه ما حكي الله تعالى عنه في آية أخرى أنه كان يقول في تلك الظلمات لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ( الأنبياء ٨٧ ) الثاني أنه لولا أنه كان قبل أن التقمه الحوت من المسبحين يعني المصلين وكان في أكثر الأوقات مواظباً على ذكر الله وطاعته للبث في بطن ذلك الحوت وكان بطنه قبراً له إلى يوم البعث قال بعضهم اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة فإن يونس عليه السلام كان عبداً صالحاً ذاكراً لله تعالى فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ( يونس ٩١ ) واختلفوا في أنه كم لبث في بطن الحوت ولفظ القرآن لا يدل عليه قال الحسن لم يلبث إلا قليلاً وأخرج من بطنه بعد الوقت الذي التقمه وعن مقاتل بن حيان ثلاثة أيام وعن عطاء سبعة أيام وعن الضحاك عشرين يوماً وقيل شهراً ولا أدري بأي دليل عينوا هذه المقادير وعن أبي هريرة عن النبي ( ﷺ ) أنه قال ( سبح يونس في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة فقال ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر فقالوا العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح قال نعم فشفعوا له فأمر الحوت فقذفه في الساحل ) فذاك هو قوله فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وفيه مباحث
الأول العراء المكان الخالي قال أبو عبيدة إنما قيل له العراء لأنه لا شجر فيه ولا شيء يغطيه
الثاني أنه تعالى قال فنبذناه بالعراء فأضاف ذلك النبذ إلى نفسه والنبذ إنما حصل بفعل الحوت وهذا يدل على أن فعل العبد مخلوق الله تعالى
ثم قال تعالى فأضاف ذلك النبذ إلى نفسه والنبذ إنما حصل بفعل الحوت وهذا يدل على أن فعل العبد مخلوق الله تعالى
ثم قال تعالى وَهُوَ سَقِيمٌ قيل المراد أنه بلي لحمه وصار ضعيفاً كالطفل المولود كالفرخ الممعط الذي ليس عليه ريش وقال مجاهد سقيم أي سليب
ثم قال تعالى وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَة ً مّن يَقْطِينٍ ظاهر اللفظ يدل على أن الحوت لما نبذه في العراء فالله تعالى أنبت عليه شجرة من يقطين وذلك المعجز له قال المبرد والزجاج كل شجر لا يقوم على ساق وإنما


الصفحة التالية
Icon