بمعنى مع كما في قولهم كل رجل وضيعته فكما جاز السكوت على كل رجل وضيعته فكذلك جاز أن يسكت على قوله فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ لأن قوله وَمَا تَعْبُدُونَ ساد مسد الخبر لأن معناه فإنكم مع ما تعبدون والمعنى فإنكم مع آلهتكم أي فإنكم قرناؤهم وأصحابهم لا تتركون عبادتها ثم قال تعالى مَا أَنتَ عَلَيْهِمْ أي على ما تعبدون بِفَاتِنِينَ بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ مثلكم وقرأ الحسن صَالِ الْجَحِيمِ بضم اللام ووجهه أن يكون جمعاً وسقوط واوه لالتقاء الساكنين فإنه قيل كيف يستقيم الجمع مع قوله مَنْ هُوَ قلنا مِنْ موحد اللفظ مجموع المعنى فحمل هو على لفظه والصالون على معناه
المسألة الثانية احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه لا تأثير لأغواء الشيطان ووسوسته وإنما المؤثر قضاء الله تعالى وتقديره لأن قوله تعالى فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ تصريح بأنه لا تأثير لقولهم ولا تأثير لأحوال معبوديهم في وقوع الفتنة والضلال وقوله تعالى إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ يعني إلا من كان كذلك في حكم الله وتقديره وذلك تصريح بأن المقتضي لوقوع هذه الحوادث حكم الله تعالى وكان عمر بن عبد العزيز يحتج بهذه الآية في إثبات هذا المطلوب قال الجبائي المراد أن الذين عبدوا الملائكة يزعمون أنهم بنات الله لا يكفرون أحداً إلا من ثبت في معلوم الله أنه سيكفر فدل هذا على أن من ضل بدعاء الشيطان لم يكن ليئمن بالله لو منع الله الشيطان من دعائه وإلا كان يمنع الشيطان فصح بهذا أن كل من يعصي لم يكن ليصلح عنه شيء من الأفعال والجواب حاصل هذا الكلام أنه لا تأثير لإغواء شياطين الإنس والجن وهذا لا نزاع فيه إلا أن وجه الاستدلال أنه تعالى بين أنه لا تأثير لكلامهم في وقوع الفتنة ثم استثنى منه ما في قوله تعالى إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ فوجب أن يكون المراد من وقوع الفتنة هو كونه الشقاوة والسعادة واعلم أن أصحابنا قرروا هذه الحجة بالحديث المشهور وهو أنه حج آدم موسى قال القاضي هذا الحديث لم يقبله علماء التوحيد لأنه يوجب أن لا يلام أحد على شيء من الذنوب لأنه إن كان آدم لا يجوز لموسى أن يلومه على عمل كتبه الله عليه قبل أن يخلقه فكذلك كان مذهب فءن صحت هذه الحجة لآدم عليه السلام فلماذا قال موسى عليه السلام في الوكزة هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ولما قال فلن أكون ظهيراً للمجرمين ولماذا لام فرعون وجنوده على أمر كتبه الله عليهم ومن عجيب أمرهم أنهم يكفرون القدرية وهذا الحديث يوجب أن آدم كان قدرياً فلزمهم أن يكفروه وكيف يجوز مع قول آدم وحواء عليهما السلام رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَكُنتُم مّنَ الْخَاسِرِينَ ( الأعراف ٢٣ ) أن يحتج على موسى بأنه لا لوم عليه وقد كتب عليه ذلك قبل أن يخلقه هذا جملة كلام القاضي فيقال له هب أنك لا تقبل ذلك الخبر فهل ترد هذه الآية أم لا فإنا بينا أن صريح هذه الآية يدل على أنه لا تأثير للوساوس في هذا الباب فإن الكل يحصل بحكمة الله تعالى والذي يدل عليه وجوه الأول أن الكافر إن ضال بسبب وسوسة الشيطان فضلال الشيطان إن كان بسبب شيطان آخر لزم تسلسل الشياطين وهو محال وإن انتهى إلى ضلال لم يحصل بسبب وسوسة متقدمة فهو المطلوب الثاني أن كل أحد يريد أن يحصل لنفسه الاعتقاد الحق والدين الصدق فحصول ضده يدل على أن ذلك ليس منه الثالث أنالأفعال موقوفة على الدواعي وحصول الدواعي بخلق الله فيكون الكل من الله تعالى الرابع أنه تعالى لما اقتضت


الصفحة التالية
Icon