ثم قال تعالى وَانطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَى ءالِهَتِكُمْ قد ذكرنا أن لملأ عبارة عن القوم الذين إذا حضروا في المجلس فإنه تمتلىء القلوب والعيون من مهابتهم وعظمتهم قوله مِنْهُمْ أي من قريش انطلقوا عن مجلس أبي طالب بن بعد ما بكتهم رسول الله ( ﷺ ) بالجواب العتيد قائلين بعضهم البعض وَانطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ وفيه مباحث
البحث الأول القراءة المشهورة ( أن امشوا ) وقرأ ابن أبي عبلة امشوا بحذف أن قال صاحب ( الكشاف ) ( أن ) بمعنى أي لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما يجري في المجلس المتقدم فكان انطلاقهم مضمناً معنى القول وعن ابن عباس وانطبق الملأ منهم يمشون
البحث الثاني معنى أن امشوا أنه قال بعضهم امشوا واصبروا فلا حيلة لكم في دفع أمر محمد إن هذا لشيء يراد وفيه ثلاثة أوجه أحدهما ظهور دين محمد ( ﷺ ) ليس له سبب ظاهر يثبت أن تزايد ظهوره ليس إلا لأن الله يريده وما أراد الله كونه فلا دافع له وثانيها أن الأمر كشيء من نوائب الدهر فلا انفكاك لنا منه وثالثها أن دينكم لشيء يراد أي يطلب ليؤخذ منكم قال الفقال هذه كلمة تذكر للتهديد والتخويف وكأن معناها أنه ليس غرض محمد من هذا القول تقرير الدين وإنما عرضه أن يستولى علينا فيحكم في أموالنا وأولادنا بما يريد
ثم قال مَّا سَمِعْنَا بِهَاذَا فِى الْمِلَّة ِ الاْخِرَة ِ والملة الآخرة هي ملة النصارى فقالوا إن هذا التوحيد الذي أتي به محمد ( ﷺ ) ما سمعناه في دين النصارى أو يكون المراد بالمراد بالملة الآخرة ملة قريش التي أدركوا آباءهم عليهم ثم قالوا إِنْ هَاذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ افتعال وكذب وحاصل الكلام من هذا الوجه أنهم قالوا نحن ما سمعنا عن أسلافنا القول بالتوحيد فوجب أن يكون باطلاً ولو كان القول بالتقليد حقاً لكان كلام هؤلاء المشركين حقاً وحيث كان باطلاً علمنا أن القول بالتقليد باطل
أَءَنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بْل هُمْ فَى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَة ِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ أَمْ لَهُم مٌّ لْكُ السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيَنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى الاٌّ سْبَابِ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الاٌّ حَزَابِ
اعلم أن هذا هو الشبهة الثالثة لأولئك الكفار وهي الشبهة المتعلقة بالنبوات وهي قولهم إن محمداً لما كان مساوياً لغيره في الذات والصفات والخلقة الظاهرة والأخلاق الباطنة فكيف يعقل أن يختص هو بهذا الدرجة العالية والمنزلة الشريفة وهو المراد من قولهم عَلَيْهِ الذّكْرُ مِن بَيْنِنَا بْل فإنه استفهام على سبيل الإنكار وحكى الله تعالى عن قوم صالح أنه قالوا مثل هذا القول فقالوا الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ أَشْهُرٍ


الصفحة التالية
Icon