ما أمكنني ذكره في الفرق بين الكلامين أما قوله تعالى فَلْيَرْتَقُواْ فِى الاْسْبَابُ فالمعنى أنهم أن ادعوا أن لهم ملك السموات والأرض فعند هذا يقال لهم ارتقوا في الأسباب واصعدوا في المعارج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يرتقوا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت الله وينزلوا الوحي على من يختارون واعلم أن حكماء الإسلام استدلوا بقوله فَلْيَرْتَقُواْ فِى الاْسْبَابُ على أن الأجرام الفلكية وما أودع الله فيها من القوى والخواص أسباب لحوادث العالم السفلي لأن الله تعالى سمى الفلكيات أسباباً وذلك يدل على ما قلناه والله أعلم أما قوله تعالى جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مّن الاْحَزَابِ ففيه مقامات من البحث أحدهما في تفسير هذه الألفاظ والثاني في كيفية تعلقها بما قبلها أما المقام الأول فقوله جُندٌ مبتدأ وما للإيهام كقوله جئت لأمر ما وعندي طعام ما و مّن الاْحَزَابِ صفة لجند و مَهْزُومٌ خبر المبتدأ وأما قوله هُنَالِكَ فيجوز أن يكون صفة لجند أي جند ثابت هنالك ويجوز أن يكون متعلقاً بمهزوم معناه أن الجند من الأحزاب مهزوم هنالك أي في ذلك الموضع الذي كانوا يذكرون فيه هذه الكلمات الطاعنة في نبوة محمد ( ﷺ ) وأما المقام الثاني فهو أنه تعالى لما ضعيفون فكيف يكونون مالكي السموات والأرض وما بينهما قال قتادة هنالك إشارة إلى يوم بدر فأخبر الله تعالى بمكة أنه سيهزم جند المشركين فجاء تأويلها يوم بدر وقيل يوم الخندق والأصوب عندي حمله على يوم فتح مكة وذلك لأن المنى أنهم جند سيصيرون منهزمين في الموضع الذي ذكروا فيه هذه الكلمات وذلك الموضع هو مكة فوجب أن يكون المراد أنهم سيصيرون منهزمين في مكة وما ذاك إلا يوم الفتح والله أعلم
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الاٌّ وْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لأيْكَة ِ أُوْلَائِكَ الاٌّ حْزَابُ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرٌّ سُلَ فَحَقَّ عِقَابِ وَمَا يَنظُرُ هَاؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَة ً واحِدَة ً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ اصْبِر عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الاٌّ يْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِى ِّ وَالإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَة ً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَة َ وَفَصْلَ الْخِطَابِ
قوله تعالى كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الاْوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لئَيْكَة ِ أُوْلَئِكَ الاْحْزَابُ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرٌّ سُلَ فَحَقَّ عِقَابِ وَمَا يَنظُرُ هَؤُلآء إِلاَّ صَيْحَة ً واحِدَة ً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ
اعلم أنه تعالى لما ذكر في الجواب عن شبهة القوم أنهم أنما توانوا وتكاسلوا في النظر والاستدلال لأجل أنهم لم ينزل بهم العذاب بيَّن تعالى في هذه الآية أن أقوام سائر الأنبياء هكذا كانوا ثم بالآخرة نزل ذلك العقاب والمقصود منه تخويف أولئك الكفار الذين كانوا يكذبون الرسول في إخباره عن نزول العقاب عليهم فذكر الله ستة أصناف منهم أولهم قوم نوح عليه السلام ولما كذبوا نوحاً أهلكهم الله بالغرق والطوفان والثاني عاد قوم هود لما كذبوه أهلكهم الله بالريح والثالث فرعون لما كذب موسى أهلكه الله مع قومه بالغرق والرابع ثمود قوم صالح لما كذبوه فأهلكوا بالصيحة والخامس قوم لوط كذبوه بالخسف والسادس أصحاب الأيكة وهم قوم شعيب كذبوه فأهلكوا بعذاب يوم الظلة قالوا وإنما وصف الله فرعون بكونه ذا الأوتاد لوجوه الأول أن أصل هذه الكلمة من ثبات البيت المطنب بأوتاده ثم استعير لإثبات العز والملك قال الشاعر


الصفحة التالية
Icon