عمر ( سماعي هذا الكلام أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ) فثبت بهذه الوجوه التي ذكرناها أن القصة التي ذكروها فاسدة باطلة فإن قال قائل إن كثيراً من أكابر المحدثين والمفسرين ذكروا هذه القصة فكيف الحال فيها فالجواب الحقيقي أنه لما وقع التعارض بين الدلائل القاطعة وبين خبر واد من أخبار الآحاد كان الرجوع إلى الدلائل القاطعة أولى وأيضاً فالأصل بين الذمة وأيضاً فلما تعارض دليل التحريم والتحليل كان جانب التحريم أولى وأيضاً طريقة الاحتياط توجب تورجيح قولنا وأيضاً فنحن نعلم بالضرورة أن بتقدير وقوع هذه الواقعة لا يقول الله لنا يوم القيامة لم لم تسعوا في تشهير هذه الواقعة وأما بتقدير كونها باطلة فإن علينا في ذكرها أعظم العقاب وأيضاً فقال عليه السلام التي ذكرناها قائمة فوجب أن لا تجوز الشهادة بها وأيضاً كل المفسرين لم يتفقوا على هذا القول بل الأكثرون المحقون والمحققون منهم يردونه ويحكمون عليه بالكذب والفساد وأيضاً إذا تعارضت أقوال المفسرين والمحدثين فيه تساقطت وبقي الرجوع إلى الدلائل التي ذكرناها فهذا تمام الكلام في هذه القصة
أما الاحتمال الثاني وهو أن تحمل هذه القصة على وجه يوجب حصول الصغيرة ولا يوجب حصول الكبير فنقول في كيفية هذه القصة على هذا التقدير وجوه الأول أن هذه المرأة خطبها أوريا فأجابوه ثم خطبها داود فأثره أهلها فكان ذنبه أن خطب على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه الثاني قالوا إنه وقع بصره عليها فمال قلبه إليها وليس له في ذها ذنب ألبتة أما وقع بصره لعيها من غير قصد فذلك لي بذنب وأما حصول الميل عقيب النظر فليس أيضاً ذنباً لأن هذا الميل ليس في وسعه فلا يكون مكلفاً به بل لما اتفق أن قتل زوجها لم يتأذ تأذياً عظيماً بسبب قتله لأجل أنه طمع أٌّ يتزوج بتلك المرأة فحصلت الزلة بسبب هذا المعنى وهو أنه لم يشق عليه قتل ذلك الرجل والثالث أنه كان أهل زمان داود عليه السلام يسأل بعضهم بعضاً أن يطلق امرأته حتى يتزوجها وكانت عادتهم في هذا المعنى مألوفة معروفة أوى أن الأنصار كانوا يساوون المهاجرين بهذا المعنى فاتفق أن عين داود عليه السلام وقعت على تلك المرأة فأحبها فسأله النزول عنها فاستحيا أن يرده ففعل وهي أم سليمان فقيل له هذا وإن كان جائزاً في ظاهر الشريعة إلا أنه لا يليق بك فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين فهذه وجوه ثلاثة لو حملنا هذه القصة على واحد منها لم يلزم في حق داود عليه السلام إلا ترك الأفضل والأولى
وأما الإحتمال الثالث وهو أن هذه القصة على وحه لا يلزم إلحاق الكبيرة والصغيرة بداود عليه السلام بل يوجب إلحاق أعظم أنواع المدح أعظم أنواع المدح والثناء به وهو أن نقول روي أن جماعة من الأعداء طمعوا في أن يقتلوا نبي الله داود عليه السلام وكان له يوم يخلو فيه ننفسه ويشتغل بطاعة ربه فانتهزوا الفرصة في ذلك اليوم وتسوروا المحراب فلما دخلوا عليه وجدوا عنده أقواماً يمنعونه منهم فخافوا فوضعوا كذباً فقالوا خصمان بغي بعضنا على بعض إلى آخر القصة ولي في لفظ القرآن ما يمكن أن يحتج به في إلحاق الذنب


الصفحة التالية
Icon