الضميران معاً عائدين إلى الشمس كأنه قال حتى توارت الشمس بالحجاب ردوا الشمس وروي أنه ( ﷺ ) لما اشتغل بالخيل فاتته صلاة العصر فسأل الله أن يرد الشمس فقوله رُدُّوهَا عَلَى َّ إشارة إلى طلب رد الشمس وهذا الاحتمال عندي بعيد والذي يدل عليه وجوه الأول أن الصافنات مذكورة تصريحاً والشمس غير مذكورة وعود الضمير إلى المذكور أولى من عوده إلى المقدر الثاني أنه قال إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِى حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ وظاهر هذا اللفظ يدل على أن سليمان عليه السلام كان يقول إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي وكان يعيد هذه الكلمات إلى أن توارت بالحجاب فلو قلنا المراد حتى توارت الصافنات بالحجاب كان معناه أنه حين وقع بصره عليها حال جريها كان يقول هذه الكلمة إلى أن غابت عن عينه وذلك مناسب ولو قلنا المراد حتى توارت الشمس بالحجاب كان معناه أنه كان يعيد عين هذه الكلمة من وقت العصر إلى وقت المغرب وهذا في غاية البعد الثالث أنا لو حكمنا بعود الضمير في قوله حتى توارت إلى الشمس وحملنا اللفظ على أنه ترك صلاة العصر كان هذا منافياً لقوله أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِى فإن تلك المحبة لو كانت عن ذكر الله لما نسي الصلاة ولما ترك ذكر الله الرابع أنه بتقدير أنه عليه السلام بقي مشغولاً بتلك الخيل حتى غربت الشمس وفاتت صلاة العصر فكان ذلك ذنباً عظيماً وجرماً قوياً فالأليق لهذه الحالة التضرع والبكاء والمبالغة في إظهار التوبة فأما أن يقول على سبيل التهور والعظمة لإله العالم ورب العالمين ردوها علي بمثل هذه الكلمة العارية عن كل جهات الأدب عقيب ذلك الجرم العظيم فهذا لا يصدر عن أبعد الناس عن الخير فكيف يجوز إسناده إلى الرسول المطهر المكرا الخامس أن القادر على تحريك الأفلاك والكواكب هو الله تعالى فكان يجب أن يقول ردها علي ولا يقول ردوها علي فإن قالوا إنما ذكر صيغة الجمع للتنبيه على تعظيم المخاطب فنقول قوله رُدُّوهَا لفظ مشعر بأعظم أنواع الإهانة فكيف يليق بهذا اللفظ رعاية التعظيم السادس أن الشمس لو رجعت بعد الغروب لكان ذلك مشاهداً لكل أهل الدنيا ولو كان الأمر كذلك لتوفرت الدواعي على نقله وإظهاره وحيث لم يقل أحد ذلك علمنا فساده السابع أنه تعالى قال إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِى ّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ثم قال حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ وعود الضمير إلى أقرب المذكورين أولى وأقرب المذكورين هو الصافنات الجياد وأما العشي فأبعدهما فكان عود ذلك الضمير إلى الصافنات أولى فثبت بما ذكرنا أن حمل قوله حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ على تواري الشمس وأن حمل قوله رُدُّوهَا عَلَى َّ على أن المراد منه طلب أن يرد الله الشمس بعد غروبها كلام في غاية البعد عن النظم
ثم قال تعالى فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالاْعْنَاقِ أي فجعل سليمان عليه السلام يمسح سوقها وأعناقها قال الأكثرون معناه أنه مسح السيف بسوقها وأعناقها أي قطعها قالوا إنه عليه السلام لما فاتته صلاة العصر بسبب اشتغاله بالنظر إلى تلك الخيل استردها وعقر سوقها وأعناقها تقرباً إلى الله تعالى وعندي أن هذا أيضاً بعيد ويدل عليه وجوه الأول أنه لو كان معنى مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى قوله وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ( المائدة ٦ ) قطعها وهذا مما لا يقوله عاقل بل لو قيل مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق أما إذا لم يذكر لفظ السيف لم يفهم ألبتة من المسح العقر والذبح الثاني القائلون لهذا القول جمعوا على سليمان عليه السلام أنواعاً من الأفعال المذمومة فأولها ترك الصلاة وثانيها أنه استولى عليه الاشتغال بحب الدنيا إلى حيث نسي الصلاة وقال ( ﷺ ) ( حب الدنيا رأس كل خطيئة ) وثالثها


الصفحة التالية
Icon