صارت تجري بأمره على وفق إرادته ثم قال والشياطين كل بناء وغواص قال صاحب ( الكشاف ) الشياطين عطف على الريح وكل بناء بدل من الشياطين وآخرين عطف على قوله كُلَّ بَنَّاء وهو بدل الكل من الكل كانوا يبنون له ما شاء من الأبنية ويغوصون له فيستخرجون اللؤلؤ وقوله مُقْرِنِينَ يقال قرنهم في الحبال والتشديد للكثرة والأصفاد الأغلال واحدها صفد والصفد العطية أيضاً قال النابغة
ولم أعرض أبيت اللعن بالصفد فعلى هذا الصفد القيد لكل من شددته شداً وثيقاً فقد صفدته وكل من أعطيته عطاء جزيلاً فقد أضفدته وههنا بحث وهو أن هذه الآيات دالة على أن الشياطين لها قوة عظيمة وبسبب تلك القوة قدرو على بناء الأبنية القوية التي لا يقدر عليها البشر وقدروا على الغوص في البحار واحتاج سليمان عليه السلام إلى قيدهم ولقائل أن يقول إن هذه الشياطين إما أن تكون أجسادهم كثيفة أو لطيفة فإن كان الأول وجب أن يراهم من كان صحيح الحاسة إذ لو جاز أن لا نراهم مع كثافة أجسادهم فليجز أن تكون بحضرتنا جبال عالية وأصوات هائلة ولا نراها ولا نسمعها وذلك دخول في السفسطة وإن كان الثاني وهو أن أجسادهم ليست كثيفة بل لطيفة رقيقة فمثل هذا يمتنع أن يكون موصوفاً بالقوة الشديدة وأيضاً لزم أن تتفرق أجسادهم وأن تتمزق بسبب الرياح القوية وأن يموتوا في الحال وذلك يمنع من وصفهم ببناء الأبنية القوية وأيضاً الجن والشياطين إن كانوا موصوفين بهذه القوة والشدة فلم لا يقتلون العلماء والزهاد في زماننا ولم لا يخربون ديار الناس مع أن المسلمين مبالغون في إظهار لعنهم وعداوتهم وحيث لم يحس شيء من ذلك علمنا أن القول بإثبات الجن والشياطين ضعيف
واعلم أن أصحابنا يجوزون أن تكون أجسامهم كثيفة مع أنا لا نراها وأيضاً لا يبعد أن يقال أجسامهم لطيفة بمعنى عدم اللون ولكنها صلبة بمعنى أنها لا تقبل التفرق والتمزق وأما الجبائي فقد سلم أنها كانت كثيفة الأجسام وزعم أن الناس كانوا يشاهدونهم في زمن سليمان ثم إنه لما توفي سليمان عليه السلام أمات الله أولئك الجن والشياطين وخلق نوعاً آخر من الجن والشياطين تكون أجسامهم في غاية الرقة ولا يكون لهم شيء من القوة والموجود في زماننا من الجن والشياطين ليس إلا من هذا الجنس
ثم قال تعالى الاْصْفَادِ هَاذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ وفيه قولان الأول قال ابن عباس رضي الله عنهما أعط من شئت وامنع من شئت بغير حساب أي ليس عليك حرج فيما أعطيت وفيما أمسكت الثاني أن هذا في أمر الشياطين خاصة والمعنى هؤلاء الشياطين المسخرون عطاؤنا فامنن على من شئت من الشياطين فحل عنه واحبس من شئت منهم في العمل بغير حساب
ولما ذكر الله تعالى ما أنعم به على سليمان في الدنيا أردفه بإنعامه عليه في الآخرة فقال فَغَفَرْنَا لَهُ ذالِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا وقد سبق تفسيره
وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِى َ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَاذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَة ً مِّنَّا وَذِكْرَى لاٌّ وْلِى الاٌّ لْبَابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ


الصفحة التالية
Icon