العالمين فيقول الله مرض عبدي فلان وما زرته ولو زرته لوجدتني عنده يعني التعظيم متعلق بالشفقة فحيث لا شفقة على خلق الله لا تعظيم لجانب الله
وقوله تعالى سِرّا وَعَلاَنِيَة ً حث على الإنفاق كيفما يتهيأ فإن تهيأ سراً فذاك ونعم وإلا فعلانية ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء فإن ترك الخير مخافة أن يقال فيه إنه مراء عين الرياء ويمكن أن يكون المراد بقوله سِرّا أي صدقة وَعَلاَنِيَة ً أي زكاة فإن الإعلان بالزكاة كالإعلان بالفرض وهو مستحب
وقوله تعالى يَرْجُونَ تِجَارَة ً لَّن تَبُورَ إشارة إلى الإخلاص أي ينفقون لا ليقال إنه كريم ولا لشيء من الأشياء غير وجه الله فإن غير الله بائر والتاجر فيه تجارته بائرة
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ
وقوله تعالى لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ أي ما يتوقعونه ولو كان أمراً بالغ الغاية وَيَزِيدُهُمْ فَضْلِهِ أي يعطيهم ما لم يخطر ببالهم عند العمل ويحتمل أن يكون يزيدهم النظر إليه كما جاء في تفسير الزيادة إِنَّهُ غَفُورٌ عند إعطاء الأجور شَكُورٍ عند إعطاء الزيادة
وَالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ
ثم قال تعالى وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ
لما بين الأصول الأول وهو وجود الله الواحد بأنواع الدلائل من قوله وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرياح وقوله وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وقوله أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة فقال وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ وأيضاً كأنه قد ذكر أن الذين يتلون كتاب الله يوفيهم الله فقال وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ تقريراً لما بين من الأجر والثواب في تلاوة كتاب الله فإنه حق وصدق فتاليه محق ومحقق وفي تفسيرها مسائل
المسألة الأولى قوله مّنَ الْكِتَابِ يحتمل أن يكون لابتداء الغاية كما يقال أرسل إلى كتاب من الأمير أو الوالي وعلى هذا فالكتاب بمكن أن يكون المراد منه اللوح المحفوظ يعني الذي أوحينا من اللوح المحفوظ إليك حق ويمكن أن يكون المراد هو القرآن يعني الإرشاد والتبيين الذي أوحينا إليك من القرآن ويحتمل أن يكون للبيان كما يقال أرسل إلى فلان من الثياب والقماش جملة
المسألة الثانية قوله هُوَ الْحَقُّ آكد من قول القائل الذي أوحينا إليك حق من وجهين أَحَدُهُمَا أن تعريف الخبر يدل على أن الأمر في غاية الظهور لأن الخبر في الأكثر يكن نكرة لأن الإخبار في الغالب يكون إعلاماً بثبوت أمر لا معرفة للسامع به لأمر يعرفه السامع كقولنا زيد قام فإن السامع ينبغي أن يكون عارفاً بزيد ولا يعلم قيامه فيخبر به فإذا كان الخبر أيضاً معلوماً فيكون الأخبار للتنبيه فيعرفان باللام كقولنا زيد العالم في هذه المدينة إذا كان علمه مشهوراً
المسألة الثالثة قوله مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ حال مؤكدة لكونه حقاً لأن الحق إذا لا خلاف بينه وبين كتب الله يكون خالياً عن احتمال البطلان وفي قوله مصدقاً تقرير لكونه وحياً لأن النبي ( ﷺ ) لما لم يكن قارئاً كاتباً وأتى ببيان ما في كتب الله لا يكون ذلك إلا من الله تعالى وجواب عن سؤال الكفار وهو أنهم كانوا


الصفحة التالية
Icon