وثانيها أنهم عند الموت يضيع عنهم رأس المال من غير فائدة وثالثها أن تلك المتاعب الشديدة التي كانت موجودة في الدنيا في نصرة تلك الضلالات تصير أسباباً للعقوبة الشديدة والبلاء العظيم بعد الموت وعند الوقوف على هذه المعاني يظهر أنه لا يعقل خسران أقوى من خسرانهم ولا حرمان أعظم من حرمانهم ونعوذ بالله منه
ولما شرح الله تعالى أحوال حرمانهم عن الربح وبين كيفية خسرانهم بين أنهم لم يقتصروا على الحرمان والخسران بل ضموا إليه استحقاق العذاب العظيم والعقاب الشديد فقال لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ( الشورى ٤٠ ) الثاني أن الذي يكون تحته يكون ظلة لإنسان آخر تحته لأن النار دركات كما أن الجنة درجات والثالث أن الظلة التحتانية إذا كانت مشابهة للظلة الفوقانية في الحرارة والإحراق والإيذاء أطلق اسم أحدهما على الآخر لأجل المماثلة والمشابهة قال الحسن هم بين طبقتين من النار لا يدرون ما فوقهم أكثر مما تحتهم ونظير هذه الآية قوله تعالى عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذالِكَ لَرَحْمَة ً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَة ً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَة ٌ بِالْكَافِرِينَ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ( العنكبوت ٥٥ ) وقوله تعالى لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ( الأعراف ٤١ )
ثم قال تعالى ذالِكَ يُخَوّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ أي ذلك الذي تقدم ذكره من وصف العذاب فقوله ذالِكَ مبتدأ وقوله يُخَوّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ خبر وفي قوله يُخَوّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ قولان الأول التقدير ذلك العذاب المعد للكفار هو الذي يخوف الله به عباده أي المؤمنين لأنا بينا أن لفظ العباد في القرآن مختص بأهل الإيمان وإنما كان تخويفاً للمؤمنين لأجل أنهم إذا سمعوا أن حال الكفار ما تقدم خافوا فأخلصوا في التوحيد والطاعة الوجه الثاني أن هذا الكلام في تقدير جواب عن سؤال لأنه يقال إنه تعالى غني عن العالمين منزه عن الشهوة والانتقام وداعية الإيذاء فكيف يليق به أن يعذب هؤلاء المساكين إلى هذا الحد العظيم وأجيب عنه بأن المقصود منه تخويف الكفار والضلال عن الكفر والضلال فإذا كان التكليف لا يتم إلا بالتخويف والتخويف لا يكمل الانتفاع به إلا بإدخال ذلك الشيء في الوجود وجب إدخال ذلك النوع م نالعذاب في الوجود تحصيلاً لذلك المطلوب الذي هو التكليف والوجه الأول عندي أقرب والدليل عليه أنه قال بعده قَلِيلاً وَإِيَّاى َ فَاتَّقُونِ وقوله يا عباذ الأظهر منه أن المراد منه المؤمنون فكأنه قيل المقصود من شرح عذاب الكفار للمؤمنين تخويف المؤمنين فيا أيها المؤمنون بالغوا في الخوف والحذر والتقوى
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَائِكَ هُمْ أُوْلُو الاٌّ لْبَابِ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَة ُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى النَّارِ لَاكِنِ الَّذِينَ اتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّة ٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاٌّ نْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ


الصفحة التالية
Icon