وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ
ثم قال تعالى وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ
في الحزن أقوال كثيرة والأولى أن يقال المراد إذهاب كل حزن والألف واللام للجنس واستغراقه وإذهاب الحزن بحصول كل ما ينبغي وبقائه دائماً فإن شيئاً منه لو لم يحصل لكان الحزن موجوداً بسببه وإن حصل ولم يدم لكان الحزن غير ذاهب بعد بسبب زواله وخوف فواته وقوله إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ذكر الله عنهم أموراً كلها تفيد الكرامة من الله الأول الحمد فإن الحامد مثاب الثاني قولهم ربنا فإن الله لم يناد بهذا اللفظ إلا واستجاب لهم اللهم إلا أن يكون المنادي قد ضيع الوقت الواجب أو طلب ما لا يجوز كالرد إلى الدنيا من الآخرة الثالث قولهم غَفُورٌ الرابع قولهم شَكُورٍ والغفور إشارة إلى ما غفر لهم في الآخرة بما وجد لهم من الحمد في الدنيا والشكور إشارة إلى ما يعطيهم ويزيد لهم بسبب ما وجد لهم في الآخرة من الحمد
الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَة ِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ
ثم قال تعالى الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَة ِ مِن فَضْلِهِ أي دار الإقامة لما ذكر الله سرورهم وكرامتهم بتحليتهم وإدخالهم الجنات بين سرورهم ببقائهم فيها وأعلمهم بدوامها حيث قالوا الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَة ِ أي الإقامة والمفعول ربما يجيء للمصدر من كل باب يقال ما له معقول أي عقل وقال تعالى مُدْخَلَ صِدْقٍ وقال تعالى وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ وكذلك مستخرج للاستخراج وذلك لأن المصدر هو المفعول في الحقيقة فإنه هو الذي فعل فجاز إقامة المفعول مقامه وفي قوله دَارَ الْمُقَامَة ِ إشارة إلى أن الدنيا منزلة ينزلها المكلف ويرتحل عنها إلى منزلة القبور ومنها إلى منزلة العرصة التي فيها الجمع ومنها التفريق وقد تكون النار لبعضهم منزلة أخرى والجنة دار المقامة وكذلك النار لأهلها وقولهم مِن فَضْلِهِ أي بحكم وعده لا بإيجاب من عنده
وقوله تعالى لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ اللغوب الإعياء والنصب هو السبب للإعياء فإن قال قائل إذا بين أنه لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ علم أنه لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا لُغُوبٌ ولا ينفي المتكلم الحكيم السبب ثم ينفي مسببه بحرف العطف فلا يقول القائل لا أكلت ولا شبعت أو لا قمت ولا مشيث والعكس كثير فإنه يقال لا شبعت ولا أكلت لما أن نفي الشبع لا يلزمه إنتفاء الأكل وسياق ما تقرر أن يقال لا يمسنا فيها إعياء ولا مشقة فنقول ما قاله الله في غاية الجلالة وكلام الله أجل وبيانه أجمل ووجه هو أنه تعالى بين مخالفة الجنة لدار الدنيا فإن الدنيا أماكنها على قسمين أحدهما موضع نمس فيه المشاق والمتاعب كالبراري والصحاري والطرقات والأراضي والآخر موضع يظهر فيه الإعياء كالبيوت والمنازل التي في


الصفحة التالية
Icon