النبي ( ﷺ ) يصيبه من آلهتهم عذاب وهي الكواكب فكان النبي ( ﷺ ) يحلف بأمر الله وإنزال كلامه عليه وبأشياء مختلفة وما كان يصيبه عذاب بل كان كل يوم أرفع شأناً وأمنع مكاناً فكان ذلك يوجب اعتقاد أنه ليس بكاذب الثاني هو أن المتناظرين إذا وقع بينهما كلام وغلب أحدهما الآخر بتمشية دليله وأسكته يقول المطلوب إنك قررت هذا بقوة جدالك وأنت خبير في نفسك بضعف مقالك وتعلم أن الأمر ليس كما تقول وإن أقمت عليه صورة دليل وعجزت أنا عن القدح فيه وهذا كثير الوقوع بين المتناظرين فعند هذا لا يجوز أن يأتي هو بدليل آخر لأن الساكت المنقطع يقول في الدليل الآخر ما قاله في الأول فلا يجد أمراً إلا اليمين فيقول والله إني لست مكابراً وإن الأمر على ما ذكرت ولو علمت خلافه لرجعت إليه فههنا يتعين اليمين فكذلك النبي ( ﷺ ) لما أقام البراهين وقالت الكفرة مَا هَاذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ وَقَالُواْ لِلْحَقّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَاذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ تعين التمسك بالأيمان لعدم فائدة الدليل الثالث هو أن هذا ليس مجرد الحلف وإنما هو دليل خرج في صورة اليمين لأن القرآن معجزة ودليل كونه مرسلاً هو المعجزة والقرآن كذلك فإن قيل فلم لم يذكر في صورة الدليل وما الحكمة في ذكر الدليل في صورة اليمين قلنا الدليل أن ذكره في صورة اليمين قد لا يقبل عليه سامع فلا يقبله فؤاده فإذا ابتدىء به على صورة اليمين واليمين لا يقع لا سيما من العظيم الأعلى أمر عظيم والأمر العظيم تتوفر الدواعي على الإصغاء إليه فلصورة اليمين تشرئب إليه الأجسام ولكونه دليلاً شافياً يتشربه الفؤاد فيقع في السمع وينفع في القلب
المسألة الثانية كون القرآن حكيماً عندهم لكون محمد رسولاً فلهم أن يقولوا إن هذا ليس بقسم نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما أن كون القرآن معجزة بين إن أنكروه قيل لهم فأتوا بسورة من مثله والثاني أن العاقل لا يثق بيمين غيره إلا إذا حلف بما يعتقد عظمته فالكافر إن حلف بمحمد لا نصدقه كما نصدقه لو حلف بالصليب والصنم ولو حلف بديننا الحق لا يوثق بمثل ما يوثق به لو حلف بدينه الباطل وكان من المعلوم أن النبي ( ﷺ ) وأصحابه يعظمون القرآن فحلفه به هو الذي يوجب ثقتهم به
عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
وقوله تعالى عَلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ خبر بعد خبر أي إنك على صراط مستقيم والمستقيم أقرب الطرق الموصلة إلى المقصد والدين كذلك فإنه توجه إلى الله تعالى وتولى عن غيره والمقصد هو الله والمتوجه إلى المقصد أقرب إليه من المولى عنه والمتحرف منه ولا يذهب فهم أحد إلى أن قوله إنك منهم على صراط مستقيم مميز له عن غيره كما يقال إن محمداً من الناس مجتبى لأن جميع المرسلين على صراط مستقيم وإنما المقصود بيان كون النبي ( ﷺ ) على الصراط المستقيم الذي يكون عليه المرسلون وقوله عَلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ فيه معنى لطيف يعلم منه فساد قول المباحية الذين يقولون المكلف يصير واصلاً إلى الحق فلا يبقى عليه تكليف وذلك من حيث إن الله بين أن المرسلين ما داموا في الدنيا فهم سالكون سائحون مهتدون منتهجون إلى السبيل المستقيم فكيف ذلك الجاهل العاجز


الصفحة التالية
Icon