فإن الكافر مسيء فإذا تم عليه الدليل وأوضح له السبيل ويصر يكون مسرفاً والمسرف هو المجاوز الحد بحيث يبلغ الضد وهم كانوا كذلك في كثير من الأشياء أما في التبرك والتشاؤم فقد علم وكذلك في الإيلام والإكرام وأما في الكفر فلأن الواجب اتباع الدليل فإن لم يوجد به فلا أقل من أن لا يجزم بنقيضه وهم جزموا بالكفر بعد البرهان على الإيمان فإن قيل بل للإضرار فما الأمر المضرب عنه نقول يحتمل أن يقال قوله أَءن ذُكّرْتُم وارد على تكذيبهم ونسبتهم الرسل إلى الكذب بقولهم إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ( يس ١٥ ) فكأنهم قالوا أنحن كاذبون وإن جئنا بالبرهان لا بل أنتم قوم مسرفون ويحتمل أن يقال أنحن مشؤومون وإن جئنا ببيان صحة ما نحن عليه لا بل أنتم قوم مسرفون ويحتمل أني قال أنحن مشؤومون وإن جئنا ببيان صحة ما نحن عليه لا بل أنتم قوم مسرفون ويحتمل أن يقال أنحن مستحقون للرجم والإيلام وإن بينا صحة ما أتينا به لا بل أنتم قوم مسرفون وأما الحكاية فمشهورة وهي أن عيسى عليه السلام بعث رجلين إلى أنطاكية فدعيا إلى التوحيد وأظهرا المعجزة من إبراء الأمة والأبرص وإحياء الموتى فحسبهما الملك فأرسل بعدهما شمعون فأتى الملك ولم يدع الرسالة وقرب نفسه إلى الملك بحسن التدبير ثم قال له إني أسمع أن في الحبس رجلين يدعيان أمراً بديعاً أفلا يحضران حتى نسمع كلامهما قال الملك بلى فأحضرا وذكرا مقالتهما الحقة فقال لهما شمعون فهل لكما بينة قالا نعم فأبرآ الأكمة والأبرص وأحييا الموتى فقال شمعون أيها الملك إن شئت أن تغلبهم فقال للآلهة التي تعبدونها تفعل شيئاً من ذلك قال الملك أنت لا يخفى عليك أنها لا تبصر ولا تسمع ولا تقدر ولا تعلم فقال شمعون فإذن ظهر الحق من جانبهم فآمن الملك وقوم وكفر آخرون وكانت الغلبة للمكذبين ثم قال تعالى
وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة ِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ ياقَوْمِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ
وفي فائدته وتعلقه بما قبله وجهان أحدهما أنه بيان لكونهم أتوا بالبلاغ المبين حيث آمن بهم الرجل الساعي وعلى هذا فقوله مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة ِ فيه بلاغة باهرة وذلك لأنه لما جاء من أقصى المدينة رجل وهو قد آمن دل على أن إذارهم وإظهارهم بلغ إلى أقصى المدينة وثانيهما أن ضرب المثل لما كان لمحمد ( ﷺ ) تسلية لقلبه ذكر بعد الفراغ من ذكر الرسل سعى المؤمنين في تصديق رسلهم وصبرهم على ما أوذوا ووصول الجزاء الأوفى إليهم ليكون ذلك تسلية لقلب أصحاب محمد كما أن ذكر المرسلين تسلية لقلب محمد ( ﷺ ) وفي التفسير مسائل
المسألة الأولى قوله وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة ِ رَجُلٌ في تنكير الرجل مع أنه كان معروفاً معلوماً عند الله فائدتان الأولى أن يكون تعظيماً لشأنه أي رجل كامل في الرجولية الثانية أن يكون مفيداً لظهور الحق من جانب المرسلين حيث آمن رجل من الرجال لا معرفة لهم به فلا يقال إنهم تواطؤا والرجل هو حبيب النجار كان ينحت الأصنام وقد آمن بمحمد ( ﷺ ) قبل وجوده حيث صار من العلماء بكتاب الله ورأى فيه نعت محمد ( ﷺ ) وبعثته
المسألة الثانية قوله يَسْعَى تبصرة للمؤمنين وهداية لهم ليكونوا في النصح باذلين جهدهم وقد ذكرنا فائدة قوله مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة ِ وهي تبليغهم الرسالة بحيث انتهى إلى من في أقصى المدينة


الصفحة التالية
Icon