ثم قال تعالى
إِنِّى إِذاً لَّفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ
يعني إن فعلت فأنا ضال ضلالاً بيناً والمبين مفعل بمعنى فعيل كما جاء عكسه فعيل بمعنى مفعل في قوله أليم أي مؤلم ويمكن أن يقال ضلال مبين أي مظهور الأمر للناظر والأول هو الصحيح ثم قال تعالى
إِنِّى ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ
في المخاطب بقوله ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ وجوه أحدها هم المرسلون قال المفسرون أقبل القوم عليه يريدون قتله فأقبل و على المرسلين وقال إن آمنت بربكم فاسمعوا قولي واشهدوا في ثانيها هم الكفار كأنه لما نصحهم وما نفعهم قال فأنا آمنت فاسمعون ثالثها بربكم أيها السامعون على العموم كما قلنا في قول الواعظ حيث يقول يا مسكين ما أكثر أملك وما أنزل عملك يريد به كل سامع يسمعه وفي قوله فَاسْمَعُونِ فوائد أحدها أنه كلام مترو متفكر حيث قال فَاسْمَعُونِ فإن المتكلم إذا كان يعلم أن لكلامه جماعة سامعين يتفكر وثانيها أنه ينبه القوم ويقول إني أخبرتكم بما فعلت حتى لا تقولوا لم أخفيت عنا أمرك ولو أظهرت لآمنا معك وثالثها أن يكون المراد السماع الذي بمعنى القبول يقول القائل نصحته فسمع قولي أي قبله فإن قلت لم قال من قبل لِى َ لاَ أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى ( يس ٢٢ ) وقال ههنا بِرَبّكُمْ فَاسْمَعُونِ ولم يقل آمنت بربي نقول قولنا الخطاب مع الرسل أمر ظاهر لأنه لما قال آمنت بركم ظهر عند الرسل أنه قبل قولهم وآمن بالرب الذي دعوه إليه ولو قال بربي لعلهم كانوا يقولون كل كافر يقول لي رب وأنا مؤمن بربي وأما على قولنا الخطاب مع الكفار ففيه بيان للتوحيد وذلك لأنه لما قال أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى ( يس ٢٢ ) ثم قال بِرَبّكُمْ فَاسْمَعُونِ فهم أنه يقول ربي وربكم واحد وهو الذي فطرني وهو بعينه ربكم بخلاف ما لو قال آمنت بربي فيقول الكافر وأنا أيضاً آمنت بربي ومثل هذا قوله تعالى اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ( الشورى ١٥ )
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّة َ قَالَ يالَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ
ثم قال تعالى قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّة َ فيه وجهان أحدهما أنه قتل ثم قيل ادخل الجنة بعد القتل وثانيهما قيل ادخل الجنة قيب قوله ءامَنتُ ( يس ٢٥ ) وعلى الأول فقوله تعالى قَالَ يَاءادَمُ يالَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ يكون بعد موته والله أخبر بقوله وعلى الثاني قال ذلك في حياته وكأنه سمع الرسل أنه من الداخلين الجنة وصدقهم وقطع به وعلمه فقال يا ليت قومي يعلمون كما علمت فيؤمنون كما آمنت وفي معنى قوله تعالى قِيلَ وجهان كما أن في وقت ذلك وجهان أحدهما قيل من القول والثاني ادخل الجنة وهذا كما في قوله تعالى إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن ( يس ٨٢ ) ليس المراد القول في وجه بل هو الفعل أي يفعله في حينه من غير تأخير وتراخ وكذلك في قوله تعالى وَقِيلَ ياأَرْضُ أَرْضُ ابْلَعِى ( هود ٤٤ ) في وجه جعل الأرض بالغة ماءها
بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُكْرَمِينَ
وفي قوله تعالى بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى وجو أحدها أن ما استفهامية كأنه قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي حتى يشتغلوا به وهو ضعيف وإلا لكان الأحسن أن تكون ما محذوفة الألف يقال بم وفيم وعم


الصفحة التالية
Icon