أهد قومي وبعد ما قتلوه وأدخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون فيجوز أن يتحسر المسلم للكافر ويتندم له وعليه
المسألة الثالثة قرىء عَلَيْهِمْ حَسْرَة ً بالتنوين و ( يا حسرة العباد ) بالإضافة من غير كلمة على وقرىء يا حسرة علي بالهاء إجراء للوصل مجرى الوقف
المسألة الرابعة من المراد بالعباد نقول فيه وجوه أحدها الرسل الثلاثة كأن الكافرين يقولون عند ظهور البأس يا حسرة عليهم يا ليتهم كانوا حاضرين شأننا لنؤمن بهم وثانيها هم قوم حبيب وثالثها كل من كفر وأصر واستكبر وعلى الأول فإطلاق العباد على المؤمنين كما في قوله إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ( الحجر ٤٢ ) وقوله قُلْ ياعِبَادِى َ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ ( الزمر ٥٣ ) وعلى الثاني فإطلاق العباد على الكفار وفرق بين العبد مطلقاً وبين المضاف إلى الله تعالى فإنه بالإضافة إلى الشريف تكسو المضاف شرفاً تقول بيت الله فيكون فيه من الشرف ما لا يكون في قولك البيت وعلى هذا فقوله تعالى وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ( الفرقان ٦٣ ) من قبيل قوله إِنَّ عِبَادِى ( الحجر ٤٢ ) وكذلك عِبَادَ اللَّهِ ( الصافات ٧٤ )
ثم بين الله تعالى سبب الحسرة بقوله تعالى مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ وهذا سبب الندامة وذلك لأن من جاءه ملك من بادية وأعرفه نفسه وطلب منه أمراً هيناً فكذبه ولم يجبه إلا ما دعاه ثم وقف بين يديه وهو على سرير ملكه فعرفه أنه ذلك يكون عنده من الندامة ما لا مزيد عليه فكذلك الرسل هم ملوك وأعظم منهم بإعزاز الله إياهم وجعلهم نوابة كما قال قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ( آل عمران ٣١ ) وجاؤا وعرفوا أنفسهم ولم يكن لهم عظمة ظاهرة في الحس ثم يوم القيامة أو عند ظهور البأس ظهرت عظمتهم عند الله لهم وكان ما يدعون إليه أمراً هيناً نفعه عائد إليهم من عبادة الله وما كانوا يسألون عليه أجراً فعند ذلك تكون الندامة الشديدة وكيف لا وهم يقتنعوا بالإعراض حتى آذوا واستهزأوا واستخفوا واستهانوا وقوله مَا يَأْتِيهِمْ الضمير يجوز أن يكون عائداً إلى قوم حبيب أي ما يأتيهم من رسول من الرسل الثلاثة إلا كانوا به يستهزؤون على قولنا الحسرة عليهم ويجوز أن يكون عائداً إلى الكفار المصرين
أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ
ثم إن الله تعالى لما بين حال الأولين قال للحاضرين أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ الْقُرُونِ أي الباقون لا يرون ما جرى على من تقدمهم ويحتمل أن يقال إن الذين قيل في حقهم عَلَيْهِمْ حَسْرَة ً ( يس ٣٠ ) هم الذين قال في حقهم أَلَمْ يَرَوْاْ ومعناه أن كل مهلك تقدمه قوم كذبوا وأهلكوا إلى قوم نوح وقبله
وقوله أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ بدل في المعنى عن قوله كَمْ أَهْلَكْنَا وذلك لأن معنى كَمْ أَهْلَكْنَا ألم يروا كثرة إهلاكنا وفي معنى ألم يروا المهلكين الكثيرين أنهم إليهم لا يرجعون وحينئذٍ يكون كبدل الاشتمال لأن قوله أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ حال من أحوال المهلكين أي أهلكوا بحيث لا رجوع لهم إليهم فيصير كقولك ألا ترى زيداً أدبه وعلى هذا فقوله أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ فيه وجهان أحدهما أهلكوا إهلاكاً لا رجوع لهم إلى من في الدنيا وثانيهما هو أنهم لا يرجعون إليهم أي الباقون لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة يعني أهلكناهم وقطعنا نسلهم ولا شك في أن الإهلاك الذي يكون مع قطع النسل أتم وأعم والوجه الأول أشهر نقلاً والثاني أظهر عقلاً


الصفحة التالية
Icon