ما يمنع العاقل من الاغترار وقال إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ولا تسمعوا قوله وقوله فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً أي اعملوا ما يسوءه وهو العمل الصالح
ثم قال تعالى إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ إشارة إلى معنى لطيف وهو أن من يكون له عدو فله في أمره طريقان أحدهما أن يعاديه مجازاة له على معاداته والثاني أن يذهب عداوته بإرضائه فلما قال الله تعالى إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّا أمرهم بالعداوة وأشار إلى أن الطريق ليس إلا هذا وأما الطريق الآخر وهو الإرضاء فلا فائدة فيه لأنكم إذا راضيتموه واتبعتموه فهو لا يؤديكم إلا إلى السعير
واعلم أن من علم أن له عدو لا مهرب له منه وجزم بذلك فإنه يقف عنده يصبر على قتاله والصبر معه الظفر فكذلك الشيطان لا يقدر الإنسان أن يهرب منه فإنه معه ولا يزال يتبعه إلا أن يقف له ويهزمه فهزيمة الشيطان بعزيمة الإنسان فالطريق الثبات على الجادة والاتكال على العبادة
ثم بين الله تعالى حال حزبه وحال حزب الله فقال
الَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَة ٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
الَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ فالمعادي للشيطان وإن كان في الحال في عذاب ظاهر وليس بشديد والإنسان إذا كان عاقلاً يختار العذاب المنقطع اليسير دفعاً للعذاب الشديد المؤبد ألا ترى أن الإنسان إذ عرض في طريقه شوك ونار ولا يكون له بد من أحدهما يتخطى الشوزك ولا يدخل النار ونسبة النار التي في الدنيا إلى النار التي في الآخرة دون نسبة الشوك إلى النار العاجلة
وقال تعالى وَالَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَة ٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ قد ذكر تفسيره مراراً وبين فيه أن الإيمان في مقابلته المغفرة فلا يؤيده مؤمن في النار والعمل الصالح في مقابلته الأجر الكبير
أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُو ءَ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
ثم قال تعالى مِن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ
يعني ليس من عمل سيئاً كالذي عمل صالحاً كما قال بعد هذا بآيات وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور وله تعلق بما قبله وذلك من حيث إنه تعالى لما بين حال المسيء الكافر والمحسن المؤمن وما من أحد يعترف بأنه يعمل سيئاً إلا قليل فكان الكافر يقول الذي له العذاب الشديد هو الذي يتبع الشيطان وهو محمد وقومه الذين استهوتهم الجن افتبعوها والذي له الأجر العظيم نحن الذين دمنا على ما كان عليه آباؤنا فقال الله تعالى لستم أنتم بذلك فإن المحسن غير ومن زين له العمل السيء فرآه حسناً غير بل الذين زين لهم السيء دون من أساء وعلم أنه مسيء فإن الجاهل الذي يعلم جهله والمسيء الذي يعمل سوء عمله يرجع ويتوب والذي لا يعلم يصر على الذنوب والمسيء العالم له صفة ذم بالإساءة وصفة مدح بالعلم والمسيء الذي يرى الإساءة إحساناً له صفتا ذم الإساءة والجهل ثم بين أن الكل بمشيئة الله وقال فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء وذلك لأن الناس أشخاصهم متساوية في الحقيقة والإساءة